السؤال
يا شيخ أريد أن أعرف عن استقبال القبلة في الفرض والنافلة، وكذلك القيام فيها، فمتى تجوز ومتى لا تجوز، وهل القيام في النافلة مربوط فقط بالسفر وعلى دابة أم أنه بالنافلة مطلقا، وماذا تردون على من يقول أن الرسول إذا نهى عن شيء ثم فعله فلا بد من الالتزام به حرفياً كما فعله فلا نزيد ولا ننقص، كمن قالوا بجواز استعمال الفضة في الإناء المكسور بأربعة ضوابط وهل تدخل هذه القاعدة على مسألة النافلة في الصلاة حيث أمرنا بالقيام وفعل الجلوس في النافلة على الدابة؟ وشكراً جزيلاً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالإجابة على سؤالك تقتضي التنبيه إلى عدة أمور:
أولاً: استقبال القبلة شرط في صحة الصلاة سواء كانت فرضاً أو نفلا إلا في حالتين:
- أثناء صلاة الخوف وقتال العدو.
- أثناء صلاة النافلة على الدابة في السفر الذي تقصر فيه الصلاة.
قال ابن قدامة في المغني: ولا يصلي في غير هاتين الحالتين فرضا ولا نفلا إلا متوجها إلى الكعبة يقصد الحالتين السابقتين، فإن كان يعاينها فبالصواب وإن كان غائباً عنها فبالاجتهاد بالصواب إلى جهتها.
قد ذكرنا أن استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة ولا فرق بين الفريضة والنافلة لأنه شرط فاستوى فيه الفرض والنفل كالطهارة والستارة، ولأن قول الله تعالى: وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة: 144]، عام فيهما جميعاً. انتهى.
ثانياً: القيام واجب بالنسبة للصلاة المفروضة في حق القادر عليه، ففي المهذب في الفقه الشافعي: والقيام فرض في الصلاة المفروضة لما روى عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صل قائماً فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب.
وأما النافلة فليس بفرض لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنفل على الراحلة وهو قاعد، ولأن النافلة تكثر، فلو وجب فيها القيام شق وانقطعت النوافل. انتهى.
ثالثاً: عدم وجوب القيام في النافلة ليس خاصا بصلاتها على الدابة، بل يباح في غير ذلك، لكن المتنفل قاعدا يحصل على نصف أجر صلاة القائم ففي صحيح البخاري عن عمران بن حصين قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعدا فقال: إن صلى قائماً فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد، والنائم المضطجع. كما في فتح الباري.
رابعاً: إذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء ثم فعله فقد يكون في فعله صلى الله عليه وسلم له فائدتان: الأولى: أن يكون فعله لكونه خاصا به، والثانية: أن يكون الفعل صارفا لذلك النهي عن المنع إلى الكراهة، كالوصال مثلا فإنه مكروه في قول أهل العلم مع نهيه صلى الله عليه وسلم عنه وفعله له، فدل ذلك على كونه رخصة خاصة به صلى الله عليه وسلم، والرخصة لا تتعدى محلها، قال ابن قدامة في المغني: الثالث في الوصال وهو أن لا يفطر بين اليومين بأكل ولا شرب وهو مكروه في قول أكثر أهل العلم، وروي عن ابن الزبير أنه كان يواصل اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ولنا ما روى ابن عمر قال: واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فواصل الناس فنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال فقالوا: إنك تواصل قال إني لست مثلكم إني أطعم وأسقى. متفق عليه. وهذا يقتضي اختصاصه بذلك ومنع إلحاق غيره به. انتهى.
خامساً: بالنسبة لمسألة تضبيب الإناء المكسور بالفضة فهو مباح عند أهل العلم بشروط ذكرها ابن قدامة في المغني قائلاً: وجملة ذلك أن الضبة من الفضة تباح بثلاثة شروط: أحدها: أن تكون يسيرة، الثاني: أن تكون من الفضة، فأما الذهب فلا يباح وقليله وكثيره حرام، وروى عن أبي بكر أنه رخص في يسير الذهب، الثالث: أن يكون للحاجة أعني أنه جعلها لمصلحة وانتفاع، مثل أن تجعل على شق أو صدع وإن قام غيرها مقامها. انتهى.
سادساً: مسألة الجلوس في صلاة النافلة لا تدخل في القاعدة المذكورة، بل إن صلاة النافلة في حال الجلوس مباحة للجالس فيها نصف أجر القائم، كما سبق ذكره في الحديث الذي رواه البخاري في الصحيح.
والله أعلم.