السؤال
يمر الشخص أحيانًا بحالة نفسية سيئة -ضيق، واكتئاب، وحزن، ومواجهة مشكلات الحياة وظروفها، مع مرض أبي، والضائقة المالية، كل شيء اجتمع فوق رأسي-، فهل هناك شبهة في حلق الرأس بدرجة صفر، للتنفيس عن النفس، أو كنوع من إزاحة الهمّ، والحزن من الرأس؟ مع العلم أن هذا الحلق ليس من عادتي، وهذا يشعرني بقليل من الراحة النفسية حتى لو جعل شكلي مختلفًا في أعين الناس.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فحلق الرأس للرجل مختلف فيه، فقيل بكراهته؛ لكونه تشبّهًا بالخوارج، وقيل بإباحته، وهو قول الجمهور، قال البهوتي في شرح الإقناع: (وَلَا يُكْرَهُ) لِذَكَرٍ (حَلْقُ رَأْسِهِ، وَلَوْ لِغَيْرِ نُسُكٍ، وَحَاجَةٍ، كَقَصِّهِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ عَلَى إبَاحَةِ الْحَلْقِ، وَكَفَى بِهَذَا حُجَّةً، وَحَرَّمَ بَعْضُهُمْ حَلْقَهُ عَلَى مُرِيدٍ لِشَيْخِهِ؛ لِأَنَّهُ ذُلٌّ وَخُضُوعٌ لِغَيْرِ اللهِ. انتهى. وهذا في غير النسك.
وأما في النسك؛ فالحلق مستحب، كما هو معلوم.
وأما حلق الرأس للمصيبة؛ فمحرم من عمل الجاهلية، قال شيخ الإسلام ما مختصره: حلق الرأس على أربعة أنواع:
أحدها: حلقه في الحج والعمرة، فهذا مما أمر الله به، ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهو مشروع، ثابت بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة...
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: حَلْقُ الرَّأْسِ لِلْحَاجَةِ، مِثْلُ أَنْ يَحْلِقَهُ لِلتَّدَاوِي؛ فَهَذَا أَيْضًا جَائِزٌ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ....
ثم ذكر النوع الثالث: وهو: حلقه على جهة القربة، والتعبّد في غير حج، أو عمرة، كما يأمر به بعض المشايخ من تاب، وبيَّن أنه من البدع ..
ثم قال: وَالنَّوْعُ الرَّابِعُ: أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ فِي غَيْرِ النُّسُكِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَلَا عَلَى وَجْهِ التَّقَرُّبِ، وَالتَّدَيُّنِ: فَهَذَا فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ، هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَكْرُوهٌ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَغَيْرِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُبَاحٌ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى غُلَامًا قَدْ حَلَقَ بَعْضَ رَأْسِهِ، فَقَالَ: احْلِقُوهُ كُلَّهُ أَوْ دَعُوهُ كُلَّهُ، {وَأُتِيَ بِأَوْلَادِ صِغَارٍ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَحَلَقَ رُءُوسَهُمْ}، وَلِأَنَّهُ نَهَى عَنْ الْقَزَعِ. وَالْقَزَعُ: حَلْقُ الْبَعْضِ؛ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ حَلْقِ الْجَمِيعِ. وَالْأَوَّلُونَ يَقُولُونَ: حَلْقُ الرَّأْسِ شِعَارُ أَهْلِ الْبِدَعِ؛ فَإِنَّ الْخَوَارِجَ كَانُوا يَحْلِقُونَ رُؤوسَهُمْ، وَبَعْضُ الْخَوَارِجِ يَعُدُّونَ حَلْقَ الرَّأْسِ مِنْ تَمَامِ التَّوْبَةِ، وَالنُّسُكِ. انتهى.
وبه تعلم أنك إن كنت تحلق رأسك، لا على جهة العبادة، ولا على جهة الجزع من المصيبة، والتسخّط على القدر؛ فهذا جائز في قول جمهور العلماء، كما مر بك.
والله أعلم.