السؤال
في حديث الرسول: اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي، فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي.
والدة الرسول توفيت قبل أن يبعث برسالة الإسلام، وقبل أن يبدأ بتبليغها للناس، فلماذا رفض الله استغفار الرسول لها، واعتبرها كافرة؛ رغم أنها ماتت قبل تبليغ رسالة الإسلام؟
هل معنى ذلك أنها لم تكن مُتبعة آخر دين سماوي نُزِّل ساعتها أيْ: المسيحية؟ ولم تكن مُتبعة سيدنا عيسى، فلأجل ذلك اعتُبِرت كافرة بآخر رسالة نُزِّلت؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد مات والد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أمه، بل مات قبل أن يولد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومع ذلك فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أنس: أن رجلا قال: يا رسول الله، أين أبي؟ قال: في النار، فلما قفى دعاه، فقال: إن أبي وأباك في النار.
قال النووي في شرح مسلم: فيه أن من مات على الكفر؛ فهو في النار، ولا تنفعه قرابة المقربين. وفيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان؛ فهو من أهل النار، وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة؛ فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء -صلوات الله تعالى وسلامه عليهم-. اهـ.
فالقضية هي قضية الموت على الشرك، مع وجود بقية من دعوة الرسل، كإبراهيم، أو عيسى -عليهما السلام-.
قال ابن القيم في زاد المعاد: من مات مشركا فهو في النار، وإن مات قبل البعثة، لأن المشركين كانوا قد غيروا الحنيفية دين إبراهيم، واستبدلوا بها الشرك، وارتكبوه، وليس معهم حجة من الله به، وقبحه والوعيد عليه بالنار لم يزل معلوما من دين الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم، وأخبار عقوبات الله لأهله متداولة بين الأمم قرنا بعد قرن، فلله الحجة البالغة على المشركين في كل وقت، ولو لم يكن إلا ما فطر عباده عليه من توحيد ربوبيته المستلزم لتوحيد إلهيته، وأنه يستحيل في كل فطرة وعقل أن يكون معه إله آخر، وإن كان سبحانه لا يعذب بمقتضى هذه الفطرة وحدها، فلم تزل دعوة الرسل إلى التوحيد في الأرض معلومة لأهلها، فالمشرك يستحق العذاب بمخالفته دعوة الرسل. والله أعلم. اهـ.
وانظر الفتويين: 33117، 48952.
والله أعلم.