السؤال
أنا في بلاد قليل من الناس من يرفع ثوبه فوق الكعبين. والذين يرفعون فوق الكعبين لا يرفعون إلى نصف الساق، إلا قليلا منهم.
فهل إذا رفعت ثوبي إلى نصف الساق يكون هذا ثوب شهرة، ولا يجوز أم لا حرج؟
أنا في بلاد قليل من الناس من يرفع ثوبه فوق الكعبين. والذين يرفعون فوق الكعبين لا يرفعون إلى نصف الساق، إلا قليلا منهم.
فهل إذا رفعت ثوبي إلى نصف الساق يكون هذا ثوب شهرة، ولا يجوز أم لا حرج؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتقصير الثوب إلى نصف الساق مستحب، ولا يكره إطالته إلى الكعبين، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعن عكرمة أنه رأى ابن عباس يأتزر، فيضع حاشية إزاره من مقدمه على ظهر قدمه، ويرفع من مؤخره، قلت: لم تأتزر هذه الإزرة؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتزرها. رواه أبو داود، وصححه الألباني.
قال العظيم آبادي في «عون المعبود»: أي يلبس إزاره على الهيئة التي رأيتها مني، بأن يكون طرفه الأسفل من مقدمه على ظهر قدمه، ومن جهة مؤخره مرفوعا بحيث لا يبلغ الكعبين. والحديث يدل على أن الائتزار بهذه الهيئة ليس بداخل في الإسبال المحرم. اهـ.
فإذا كان المرء في بلد أكثر أهله يُسبِلون ثيابهم، وقليل منهم من يرفع ثوبه فوق الكعبين، ومن يفعل ذلك منهم لا يرفع أكثرهم إلى نصف الساق، فالأفضل -فيما نرى- أن يقتصر على الرفع فوق الكعبين، لموافقة ذلك لوجه من السنة، ولقربه من عرف الناس في بلده، فيكون أقرب لقبولهم للسنة، وأبعد عن تنفيرهم منها، وأبرأ من معنى الشهرة.
وقد أشار إلى ذلك فعل بعض السلف، فروى عبد الرزاق في مصنفه، عن معمر، عن أيوب قال: كانت الشهرة فيما مضى في تذييلها، والشهرة اليوم في تقصيرها.
وهذا رواه ابن أبي الدنيا في التواضع والخمول، وابن سعد في الطبقات الكبرى، عن عبد الرزاق، عن معمر، قال: عاتبت أيوب على طول قميصه، فقال: «إن الشهرة فيما مضى كانت في طوله، وهي اليوم في تشميره».
وزاد الزمخشري في «ربيع الأبرار» عن أيوب أنه كان يقول للخياط: «اقطع وأطل، فإن الشهرة اليوم في القصر».
وذكره ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ {لقمان:18}، وزاد: واصطنع -يعني أيوب- مرة نعلين على حذو نعلي النبي صلى الله عليه وسلم، فلبسهما أياما، ثم خلعهما، وقال: لم أر الناس يلبسونهما. وقال إبراهيم النخعي: لا تلبس من الثياب ما يُشْهَرُ في الفقهاء، ولا ما يزدريك السفهاء. اهـ.
وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري، وتبعه ابن المقلن في التوضيح: الذي ينبغي للرجل أن يتزيا في كل زمان بزي أهله، ما لم يكن إثمًا؛ لأن مخالفة الناس في زيهم ضرب من الشهرة. اهـ.
وقال ابن مفلح في الفروع: قال ابن عقيل: لا ينبغي الخروج عن عادات الناس إلا في الحرام؛ لتركه -عليه السلام- بناء الكعبة. وترك أحمد الركعتين قبل المغرب، وقال: رأيت الناس لا يعرفونه. اهـ.
وقال الرحيباني في «مطالب أولي النهى»: (قال ابن عقيل: لا ينبغي الخروج من عادات الناس) مراعاة لهم وتأليفا لقلوبهم، (إلا في الحرام إذا) جرت عادتهم بفعله، أو عدم المبالاة به، فتجب مخالفتهم، رضوا بذلك أو سخطوا. اهـ.
وعلى ذلك، فإن إطالة الثوب عن وسط الساق إذا كان أقرب لعادات الناس كان أفضل، ما دام فوق الكعبين.
وإذا دار الأمر بين فضيلة التقصير إلى نصف الساق، وكراهة الشهرة والخروج عن عادات الناس، قُدِّم جانب الحظر، فإن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم. متفق عليه.
وراجع للفائدة في بيان معنى ثوب الشهرة، الفتويين: 191681، 194743.
وأخيرا نلفت النظر ألى أن بعض أهل العلم فرق بين الإزار وبين الثوب (القميص) في الحد الشرعي لطوله، وراجع في ذلك الفتوى: 124903.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني