السؤال
سؤالي بارك الله فيكم: سمعت أن من شك في الصلاة، وبنى على غالب الظن. يسجد بعد السلام، حتى لو تيقن، يعني أدرك أنه لم يخطئ.
وسمعت أن من شك وتيقن أنه لم يخطئ، لا يسجد.
فأرجو أن توضحوا لي القولين وما هو الصحيح؟ وبماذا أعمل في صلاتي إذا جاءني شك طارئ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنجمل الجواب عما سألت عنه بذكر كلام موجز واضح، وسنقتصر على مذهب المالكية؛ لشيوعه ببلد السائل، ولئلا تتشعب عليه الأقوال بذكر الخلاف، ولا سيما إن كان ممن يكثر لديه الشك:
فنقول:
أولا: إذا شك المصلي في نقص، وهو ممن لا يستنكحه الشك. فالقاعدة عند المالكية أن الشك هنا يعتبر كاليقين في النقص، ويكمل ما شك في نقصانه، ويسجد للسهو بعد السلام، ولا يبني على غالب ظنه.
قال الأخضري -المالكي- في مختصره: وَالشَّكُّ فِي النُّقْصَانِ كَتَحَقُّقِهِ. انتهى.
ثانيا: إن شك المصلي في النقص وتفكر قليلا، ثم تيقن أنه لم يسه في صلاته. فلا سجود عليه في مشهور مذهب مالك. وقيل يسجد.
نقل الحطاب في مواهب الجليل عن المدونة: ومن شك فتفكر قليلا، ثم تيقن أنه لم يسه، فلا سجود عليه.
قال الشارح: قال أبو الحسن الصغير: وحكي عن أشهب أن عليه السجود. انتهى.
ثالثا: إن كان المرء ممن يكثر لديه الشك ويستنكحه، فإنه يبني على غالب الظن، ويسجد للسهو بعد السلام، استحبابا.
قال المازري في شرح التلقين عن القاضي عبد الوهاب: ومن لم يدر كم صلى بنى على يقينه، وسجد بعد السلام إلا أن يكون ممن لا تيقن له؛ لاستنكاح الشكوك له وغلبتها عليه، فلا يلزمه إلا غالب الظن، ويستحب له السجود بعد السلام. انتهى.
وعليه؛ فهذه صور ثلاث: من شك وبقي على شكه. فهذا يعتبر شكه في السهو كالمتيقن، ويكمل صلاته، ويسجد للسهو بعد السلام.
والصورة الثانية: ألا يبقى على شكه، بل يفكر قليلا فيتيقن عدم السهو. فهنا لم يسه، ولا سجود عليه، وقيل يسجد.
وربما هذا القول الذي سمعته.
والصورة الثالثة في حق من استنكحه الشك والوسوسة: فهذا يبني على غالب ظنه، ويلازم سجود السهو بعد السلام، ترغيما للشيطان.
جاء حاشية الدسوقي على الشرح الكبير في من استنكحه الشك: ويسجد بعد السلام، ترغيماً للشيطان. اهـ.
وفي نظم الأخضري:
وليطرح الوسوسة الموسوس ولازم البعدي فيما يهجس
وللمذاهب الفقهية الأخرى تفريعات ذكرها يشعب المسألة، ولا سيما إذا كان المرء يكثر لديه الشك، وتلازمه الوسوسة.
والله أعلم.