السؤال
أنا شاب عمري 15 عامًا، مواظب على الصلاة، ومتفوق دومًا في الدراسة، لكني قليل الإصرار، والمثابرة، ومشكلتي هي: الاستمناء، فلم أكن أعلم أن الاستمناء حرام، وكنت قد فعلته أكثر من عشرين مرة، لكنني بعد أن علمت أنه حرام، امتنعت عنه أسبوعين، ثم عدت له، ثم ظللت 6 شهور أفعله ثم أمتنع عنه مدة، وكلما أخذت على نفسي عهدًا أنني لن أفعله، أعود له.
وعند الامتناع يخبرني الشيطان أن أفعله وقاية من الزنى، أو أن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وليس عندي إصرار بحيث أقول لنفسي: لن أفعل شيئًا ما، فألتزم بذلك.
في المرة الأخيرة نذرت أن لا أفعله، ولم أفعله أسبوعًا كاملًا، لكني عدت وفعلته، وندمت، ثم قرّرت أن لا أفعله، وبعد يومين من ذلك فعلته مرتين في نفس اليوم، وما زلت أدعو الله كثيرًا بالإقلاع عنه، وأخاف الله.
وقد فعلت العادة السرية بعد النذر 3 مرات، فهل الكفارة صيام 3 أيام أم 9 أيام؟ ونويت أن النذر يكون للأبد بأن لا أفعل العادة السرية.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فواجب عليك -يا بني- أن تجاهد نفسك على تحقيق التوبة النصوح من تلك العادة السيئة؛ بحيث تتركها، ولا تعود إليها أبدًا.
وإن وقعت فيها بعد العزم على تركها؛ فتب إلى الله منها مرة أخرى، وجاهد نفسك ثانية، وثالثة على تركها، وهكذا؛ حتى تستقيم على التوبة.
وإياك أن تقنط، أو تيأس من التوبة، قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: لَوْ تَكَرَّرَ الذَّنْبُ مِائَةَ مَرَّةٍ، أَوْ أَلْفَ مَرَّةٍ، أَوْ أَكْثَرَ، وَتَابَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ؛ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ، وَسَقَطَتْ ذُنُوبُهُ. وَلَوْ تَابَ عَنِ الْجَمِيعِ تَوْبَةً وَاحِدَةً بَعْدَ جَمِيعِهَا؛ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ. اهــ.
وقال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم: قِيلَ لِلْحَسَنِ: أَلَا يَسْتَحْيِي أَحَدُنَا مِنْ رَبِّهِ يَسْتَغْفِرُ مِنْ ذُنُوبِهِ، ثُمَّ يَعُودُ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ، ثُمَّ يَعُودُ، فَقَالَ: وَدَّ الشَّيْطَانُ لَوْ ظَفِرَ مِنْكُمْ بِهَذِهِ، فَلَا تَمَلُّوا الِاسْتِغْفَارَ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَرَى هَذَا إِلَّا مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ، يَعْنِي: أَنَّ الْمُؤْمِنَ كُلَّمَا أَذْنَبَ تَابَ. اهــ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: يُؤْمَرُ الْعَبْدُ بِالتَّوْبَةِ كُلَّمَا أَذْنَبَ. قَالَ بَعْضُهُمْ لِشَيْخِهِ: إنِّي أُذْنِبُ، قَالَ: تُبْ، قَالَ: ثُمَّ أَعُودُ، قَالَ: تُبْ، قَالَ: ثُمَّ أَعُودُ، قَالَ: تُبْ، قَالَ: إلَى مَتَى؟ قَالَ: إلَى أَنْ تُحْزِنَ الشَّيْطَانَ. اهــ. وقد ذكرنا في الفتوى: 426286 نصائح مفيدة تعين على مداومة التوبة، وعدم العودة إلى الذنوب؛ فانظرها؛ فإنها مهمة، ولعل الله أن ينفعك بها.
وأما نذرك ترك تلك العادة السرية، وهل يلزمك الوفاء بالنذر للحنث في ذلك؟
فالجواب: أن ترك الحرام واجب بأصل الشرع، ولا يجوز للمسلم تعدّي حدود الله عز وجل -كما هو معلوم-، ونذر ترك الحرام؛ يؤكد وجوب الترك.
وهذا النوع من النذر يسميه أهل العلم: نذر اللجاج -وهو الذي يخرج مخرج اليمين، ويقصد به الحث على فعل شيء، أو تركه-، وصاحبه مخير بين الكفارة والوفاء بالنذر، وانظر الفتوى: 30392.
وعلى ذلك؛ فإن عليك كفارة يمين، أو عليك الوفاء بالنذر، وهو صيام ثلاثة أيام فقط، إن كانت صيغة النذر لا تقتضي التكرار، كما لو كانت الصيغة: "عليّ صيام ثلاثة أيام، إن وقعت في العادة السرية"، ووقعت فيها ثلاث مرات؛ فهنا تلزمك كفارة يمين واحدة، أو صيام ثلاثة أيام فقط.
وأما لو كانت صيغة النذر تقتضي التكرار، كما لو كنت قلت: "عليّ صيام ثلاثة أيام كلما وقعت في العادة السرية"؛ فهنا تتكرر كفارة اليمين بعدد ممارستك للعادة السرية بعد النذر، أو تصوم تسعة أيام؛ لوقوع ذلك منك ثلاث مرات.
والكفارة هي المذكورة في قول الله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة:89].
والله أعلم.