السؤال
فاسق مجاهر، توفي، وكانت وفاته عبرة للكثير من الناس.
ما حكم من يقول إن اتعاظ الناس بسبب موته، سيكون في ميزان حسناته؛ لأنه بسبب موته اتعظ وتاب الكثير منهم؟
فاسق مجاهر، توفي، وكانت وفاته عبرة للكثير من الناس.
ما حكم من يقول إن اتعاظ الناس بسبب موته، سيكون في ميزان حسناته؛ لأنه بسبب موته اتعظ وتاب الكثير منهم؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاتعاظ الناس بموت هذا الفاسق ليس من فعله حتى يكون مثابا عليه، وإنما يثاب الشخص بعد موته على ما خلفه من خير يقتدى به فيه، أو ينتفع به الناس كأن ترك صدقة جارية، أو علما ينتفع به، أو من يدعو له من ولده وغيرهم.
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له.
قال القاري في المرقاة: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ) أَيْ: أَعْمَالُهُ بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَالْمُرَادُ فَائِدَةُ عَمَلِهِ؛ لِانْقِطَاعِ عَمَلِهِ. يَعْنِي لَا يَصِلُ إِلَيْهِ أَجْرٌ وَثَوَابٌ مِنْ شَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ. (إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ) أَيْ: مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، فَإِنَّ فَائِدَتَهَا لَا تَنْقَطِعُ عَنْهُ؛ لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ -سُبْحَانَهُ- أَنَّهُ يُثِيبُ الْمُكَلَّفَ بِكُلِّ فِعْلٍ يَتَوَقَّفُ وُجُودُهُ بِوَجْهِ مَا عَلَى كَسْبِهِ، سَوَاءٌ فِيهِ الْمُبَاشَرَةُ وَالتَّسَبُّبُ..
وقال أيضا: قَالَ الطِّيبِيُّ: الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ، تَقْدِيرُهُ: يَنْقَطِعُ عَنْهُ ثَوَابُ أَعْمَالِهِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَلَا يَنْقَطِعُ ثَوَابُ أَعْمَالِهِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، يَعْنِي: إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ لَا يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ أَعْمَالِهِ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْعَمَلِ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ بِمَوْتِهِ إِلَّا فِعْلًا دَائِمَ الْخَيْرِ مُسْتَمِرَّ النَّفْعِ مِثْلَ وَقْفِ أَرْضٍ، أَوْ تَصْنِيفِ كِتَابٍ، أَوْ تَعْلِيمِ مَسْأَلَةٍ يُعْمَلُ بِهَا، أَوْ وُلِدٍ صَالَحٍ، وَجَعَلَ الْوَلَدَ مِنَ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِي وُجُودِهِ. اهـ.
وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ هَذَا الْحَصْرِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "«مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»" لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمَسْنُونَةَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ، وَكَذَا لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "«كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَّا الْمُرَابِطَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ فَإِنَّهُ يَنْمُو لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»" لِأَنَّ النَّامِيَ مِنْ عَمَلِ الْمُرَابِطِ مَا قَدَّمَهُ فِي حَيَاتِهِ. انتهى.
وهذا الميت الفاسق لم يباشر انتفاع الناس بموته، ولا تسبب فيه بوجه حتى يكون له ثواب من اتعاظهم، بل عليه تبعة وعقوبة ما اقتدي به فيه من الفسق -عياذا بالله- إلا أن يعفو الله عنه.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني