السؤال
لماذا يري الله -عز وجل- المؤمنين أهوال الساعة مع أنهم آمنوا به وعبدوه؟
وهل النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- قسم علامات الساعة إلى كبرى وصغرى؟
ولماذا لا يتوفانا الله لكي لا نشاهد هذه الأهوال؟
لماذا يري الله -عز وجل- المؤمنين أهوال الساعة مع أنهم آمنوا به وعبدوه؟
وهل النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- قسم علامات الساعة إلى كبرى وصغرى؟
ولماذا لا يتوفانا الله لكي لا نشاهد هذه الأهوال؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان السائل يعني بأهوال الساعة ما يظهر قبلها من العلامات الكبرى، كخروج الدجال، ويأجوج ومأجوج، ونحو ذلك، فهذا حكمه حكم غيره من أنواع البلاء والمحن التي يتعرض لها المؤمنون، فتمحصهم، وتميزهم عن غيرهم، وتكون رفعة لدرجاتهم، وزيادة في حسناتهم، وكفارة لسيئاتهم، كما قال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت: 2، 3]. وقال سبحانه: وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ {آل عمران:141}، وقال عز وجل: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ [آل عمران: 179].
ومثال ذلك في شأن الدجال حديث أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يأتي الدجال .. فينزل بعض السباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل، وهو خير الناس فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثه. فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته، هل تشكون في الأمر؟ فيقولون: لا. فيقتله ثم يحييه، فيقول: والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم، فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه. رواه البخاري ومسلم. فهذا الرجل المؤمن ما زاده حضور الدجال إلا خيرا وفضلا.
وأما إن كان يقصد ما يحصل في الدنيا عند قيام الساعة من أهوال وأمور عظام؛ فإن المؤمنين يقبضون قبل هذا، فلا يرونه، فهم يبقون فقط إلى ما بعد نزول المسيح، حين تهب ريح طيبة، فتقبض أرواحهم، كما ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عمرو مرفوعا: يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين، فيبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود، فيطلبه فيهلكه، ثم يمكث الناس سبع سنين، ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشأم، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته، حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه، حتى تقبضه، فيبقى شرار الناس ... الحديث.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: فأما بعد هبوبها؛ فلا يبقى إلا الشرار، وليس فيهم مؤمن، فعليهم تقوم الساعة، وعلى هذا فآخر الآيات المؤذنة بقيام الساعة هبوب تلك الريح. اهـ.
فالساعة بهذا المعنى لا تقوم إلا على شرار الناس، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء. رواه البخاري.
وقال أيضا -صلى الله عليه وسلم-: لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس. رواه مسلم. وراجع في ذلك الفتاوى: 70219، 68400، 137365.
وهذا إنما يكون بعد انقطاع التوبة، وطلوع الشمس من مغربها، قال ابن حجر في فتح الباري: أخرج مسلم من حديث ابن مسعود رفعه: "لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس" وذلك إنما يقع بعد طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، وسائر الآيات العظام. اهـ.
وقال ابن هبيرة في الإفصاح: فيه من الفقه أن شرار الناس الذين تقوم عليهم الساعة يكونون من بقايا عصب الرجال ممن قد رأى اليوم الذي لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ... فإن الذين تدركهم الساعة وهم أحياء شرار الناس؛ لأنهم يصادفون الأهوال ثم تتصل بهم. اهـ.
وأما سؤال: هل قسم النبي -صلى الله عليه وسلم- علامات الساعة إلى كبرى وصغرى؟ فجوابه: لا، وإنما هذا اجتهاد من أهل العلم، واصطلاح يتبع المعنى، حيث رأوا أن من الأشراط ما يتقدم الساعة بأزمان طويلة، ويكون معتادا، كقبض العلم، وظهور الجهل، وانتشار الربا والزنا، فاصطلحوا على تسميتها: صغرى.
وأن منها ما يظهر قرب قيام الساعة، ويكون فيه خرق للعادة، أو هول عام، مثل: خروج الدجال، ونزول عيسى عليه السلام، وخروج يأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، فاصطلحوا على تسميتها: كبرى.
ولذلك فقد يختلفون في علامة ما، هل هي من العلامات الكبرى أم الصغرى؟
وانظر للفائدة الفتوى: 418273.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني