السؤال
قرأت في إحدى المجلات المصرية المكتوبة بالإنجليزية واسمها Campus عدد يناير 2004 تصريح بعنوان/ عن المفتي المصري د.علي جمعة: خدمة الزوج وإرضاع الأولاد ليست فرضا على المرأة ومن حقها أن تطالب بأجر. صرح فية المفتي بأحقية المرأة في الإمتناع عن خدمة زوجها وأولادهالأن عقد الزواج لا ينص على ذلك وأن الزوجة لا تتزوج لكي تصبح خادمة وإنما جاءت لمؤانسة زوجها وعليه نفقتها وجلب خادمة لها وكذلك من حق الزوجة الامتناع عن الإرضاع أو طلب أجر على ذلك وأيده في ذلك الشيخ خالد الجندي مفتي الهاتف الإسلامي وكذلك الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة بكلية الدراسات الإسلامية. هل يمكن أن يكون هذا صحيحا ي الإسلام؟ أنا لا أكاد أصدق أرجو إفادتنا بأسرع وقت ممكن
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في وجوب خدمة المرأة لزوجها وإرضاعها لولدها، والصحيح من أقوالهم هو وجوب خدمة المرأة لزوجها وإرضاعها لولدها، لجريان العرف بذلك، والعقود المطلقة كعقد النكاح وغيره تحمل على المتعارف عليه بين الناس، ومحل هذا ما لم تكن المرأة ذات ترف، وعرفها ألا تخدم زوجها ولا ترضع ولدها، فلا يلزمها ذلك لأن العرف هنا قد صار كالشرط، ومن القواعد المقررة عند أهل العلم، أن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم: أحد القولين أنه لا يملك عليها بالعقد إلا الاستمتاع بها من الوطء وما إليه، والقول الثاني: الوجوب، وهو اختيار الشيخ أنه يملك ذلك وما جرت العادة به، فتخدمه ما كان جارياً العرف والعادة أنها تفعله، وما لا فلا، وهذا الذي عليه العمل وهو الصحيح أنها تخبز وتعجن ونحو ذلك، فإنه مشروط عليها بالعرف، الشرط العرفي ينزل منزلة النطق، ولمعرفة مزيد من التفصيل راجع الفتوى رقم: 13158.
وكذلك يجب عليها أن ترضع ولدها حال قيام الزوجية، لأن هذا الذي جرى به العرف بين الناس، وقد قال الله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ [البقرة:228].
وقد أوضح العلامة القرطبي هذا المعنى عند تفسيره لقول الله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [ البقرة:233]، فقال رحمه الله: اختلف الناس في الرضاع هل هو حق للأم أو هو حق عليها؟ واللفظ محتمل، لأنه لو أراد التصريح بكونه عليها قال: وعلى والوالدات رضاع أولادهن كما قال الله تعالى: وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن ولكن هو عليها في حال الزوجية، وهو عرف يلزم إذ قد صار كالشرط، إلا أن تكون شريفة ذات ترفه فعرفها ألا ترضع وذلك كالشرط.
ومما يؤكد هذا ويدل على أنها لا تستحق أجرة على إرضاع ولدها حال قيام الزوجية، أن الله تعالى لم يجعل لها إلا الكسوة والنفقة بالمعروف، وذلك في قوله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:233]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وإرضاع الطفل واجب على الأم بشرط أن تكون مع الزوج، وهو قول ابن أبي ليلى وغيره من السلف، ولا تستحق أجرة المثل زيادة على نفقتها وكسوتها وهو اختيار القاضي في المجرد، وقول الحنفية لأن الله تعالى يقول: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، فلم يوجب لهن إلا الكسوة والنفقة بالمعروف وهو الواجب بالزوجية.... كما قال في الحامل: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى [الطلاق:6]، فدخلت نفقة الولد في نفقة أمه لأنه يتغذى بها.
وننبه السائلة -وفقها الله- إلى أن هاتين المسألتين اللتين جاءتا في السؤال، من مسائل الاجتهاد التي تنازع فيها العلماء، فمن أصاب فيها الحق فله أجران، ومن أخطأ فله أجر وخطؤه مغفور له، إذا تحقق شرطان:
الأول: أن يكون ممن يسوغ لهم الاجتهاد.
والثاني: أن يكون الباعث له على القول هذه الفتوى هو ظنه أن القول بها أرضى لله وأقرب إلى هدي رسوله صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.