الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسألة في الشراكة في الزراعة

السؤال

دخلت مع شريك في مشروع في أرضه، حيث أسلفته النقود كدين لحفر بئر: أي لا علاقة له برأس المال. فأنا لا أشترك معه في البئر، فالبئر والأرض له، وتبقى له. وذلك لنبدأ مشروع زراعة نوع من الحشيش يدعى: البونيكام، الذي ينتج لمدة 7 سنوات إلى 10 سنوات.
ويتطلب هذا النبات مستلزمات مثل البذور والأسمدة، واليد العاملة، والكهرباء للسقي والحراثة والحصاد، وآلات للري. حيث اتفقت معه على تسعير أرضه، وأن أدفع له كل عام نصف ثمنها، ويدفع هو نصف الثمن لنفسه، ويشارك كل منا بنفس قيمة المال: أي نشترك في نفس الحصة في باقي المستلزمات، إلا أن ثمن آلات الري تبرعت به عن طيب خاطر. أي أننا نريد تطبيق شركة العنان في المغارسة، حتى لا تكون الشركة فاسدة، مع تكليف أجير ثابت الدخل، ونشترك في دفع الأجرة له.
فما حكم هذه الشراكة؟ وإذا كانت لا تجوز ما مصير المال المكتسب أحلال أم حرام؟ أم فيه شبهة؟
وكذلك هل إقراضي له المال لحفر البئر، يدخل في حكم عدم جواز إقراض الشريك؛ لأنه في شركة العنان لا يكون رأس المال بقرض، أو جزء بقرض؟ وكيف ننهي الشراكة، رغم أني تعبت في إيجاد الصيغة المثلى بالتوضيح؟
وأثابكم الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

ففي هذه المعاملة ثلاثة أمور، هي محل السؤال:

- الأمر الأول: إقراض السائل لشريكه مالا لحفر بئر في أرضه. وهذا لا يصح إن حصل على سبيل المشارطة في عقد المشاركة، بمعنى أن الدخول في هذه المعاملة كان شرطا في الإقراض.

قال ابن مفلح في المبدع في باب الشروط في البيع وأقسامها: الضرب الثاني: فاسد، وهو ثلاثة أنواع: أحدها: أن يشترط أحدهما على صاحبه عقدا آخر، كسلف، أو بيع أو قرض أو إجارة، أو صرف للثمن أو غيره، فهذا يبطل البيع. ويحتمل أن يبطل الشرط وحده. اهـ.

وقال ابن قدامة في المغني: وإن شرط في القرض أن يؤجره داره، أو يبيعه شيئا، أو أن يقرضه المقترض مرة أخرى، لم يجز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى عن بيع وسلف. ولأنه شرط عقدا في عقد، فلم يجز، كما لو باعه داره بشرط أن يبيعه الآخر داره. اهـ.

وأما إن كان الإقراض قد حصل بعد الدخول في المعاملة وإتمام العقد، فلا حرج فيه.

- والأمر الثاني: كون الأرض مملوكة لأحد الشريكين. وهذا لا يؤثر على صحة العقد، طالما لم تكن أجرتها شيئا من الخارج من الأرض، وإنما مال معلوم، يتحمل كل شريكة حصته فيه، وقد فهمنا من قول السائل: ( اتفقت معه على تسعير أرضه، وأن أدفع له كل عام نصف ثمنها، ويدفع هو نصف الثمن لنفسه). أنه يريد بتسعير الأرض تقييم أجرتها، وإذا كان كذلك، فلا حرج في هذا الاتفاق.

قال ابن يونس في الجامع لمسائل المدونة: لو كان البذر بينهما، والأرض من عند الآخر، وأعطاه شريكه نصف كراء الأرض عينا أو عرضاً؛ فهو جائز. اهـ.

وقال ابن أبي زيد القيرواني في الرسالة: والشركة في الزرع جائزة إذا كانت الزريعة منهما جميعا، والربح بينهما، وكانت الأرض لأحدهما، والعمل على الآخر. أو العمل بينهما، واكتريا الأرض، أو كانت بينهما ... ولو كانا اكتريا الأرض والبذر من عند واحد، وعلى الآخر العمل؛ جاز إذا تقاربت قيمة ذلك. اهـ.

قال النفراوي في شرح الرسالة: (ولو كانا اكتريا الأرض) من الغير، أو كانت مملوكة لهما، أو لأحدهما، وأكرى شريكه نصفها بدراهم، أو غيرها مما يجوز كراؤها. اهـ.

- الأمر الثالث: تبرع السائل بآلات الري عن طيب خاطر. وهذا لا يؤثر على صحة المعاملة إن كان قد وقع بعد العقد.

قال خليل في مختصره: وَلَهُ التَّبَرُّعُ وَالسَّلَفُ وَالْهِبَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ.

قال الخرشي في شرحه: بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّاحِقَ لِلْعَقْدِ، لَيْسَ كَالْوَاقِعِ فِيهِ. اهـ.

وقال النفراوي في شرح الرسالة: تلخص مما تقدم أن شرط صحة الشركة في الزرع: السلامة من كراء الأرض بممنوع ... ويجوز أن يتبرع أحدهما لصاحبه بعد العقد اللازم بشيء من العمل، أو غيره. اهـ.

وعلى ذلك؛ فلا نرى حرجا على السائل في أن يستمر في هذه الشراكة، فليس فيما ذكر ما يقتضي فسخ العقد أو فساده.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني