الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنشكر لك تواصلك معنا، وننصحك بأن تصرفي همّتك إلى السؤال عن أصول الإيمان، وأعمال القلوب، والعبادات، ونحوها من العلوم التي يحتاجها المسلم في أمر دِينه، كما كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يفعلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ واصفًا حال الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولكن إنما كانوا يسألونه عما ينفعهم من الواقعات، ولم يكونوا يسألونه عن المقدرات، والأغلوطات، وعضل المسائل، ولم يكونوا يشتغلون بتفريع المسائل وتوليدها، بل كانت هممهم مقصورة على تنفيذ ما أمرهم به، فإذا وقع بهم أمر، سألوا عنه، فأجابهم. اهـ. من أعلام الموقعين.
وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: كان كثير من الصحابة والتابعين يكرهون السؤال عن الحوادث قبل وقوعها، ولا يجيبون عن ذلك ... فالذي يتعين على المسلم الاعتناء به والاهتمام أن يبحث عما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم يجتهد في فهم ذلك، والوقوف على معانيه، ثم يشتغل بالتصديق بذلك، إن كان من الأمور العلمية، وإن كان من الأمور العملية، بذل وسعه في الاجتهاد في فعل ما يستطيعه من الأوامر، واجتناب ما ينهى عنه، وتكون همّته مصروفة بالكلية إلى ذلك، لا إلى غيره، وهكذا كان حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان في طلب العلم النافع من الكتاب والسنة ... اهـ.
وعلى كل حال؛ فالتفكير في مثل هذه الأمر الذي ذكرته، ليس كفرًا، لكن ما الفائدة أصلًا في التفكير في هذا، وما المتوقع أن يصل إليه المرء بتفكيره فيه، حقيقة لا شيء من ذلك كله، وراجعي الفتاوى: 8620، 349720، 343600.
واعلم أن السؤال عن الغرائب، والمسائل الافتراضية التي لا يترتب عليها فائدة مذموم شرعًا، وكان الأئمة يكرهون هذا الضرب من الأسئلة، وينهون عنها، ويعرضون عن إجابتها، ويقرّعون أصحابها، روى الدارمي في سننه، عن طاوس، قال: قال عمر -رضوان الله عليه- على المنبر: أحرج بالله على رجل سأل عما لم يكن، فإن الله قد بين ما هو كائن. انتهى. قال محققه حسين سليم أسد: إسناده صحيح. اهـ.
وروى أيضًا عن يزيد المنقري قال: جاء رجل يومًا إلى ابن عمر -رضي الله عنهما-، فسأله عن شيء لا أدري ما هو، فقال له ابن عمر: لا تسأل عما لم يكن، فإني سمعت عمر بن الخطاب -رضوان الله عليه- يلعن من سأل عما لم يكن. انتهى. قال محققه: إسناده جيد. اهـ.
وروى عن الزهري قال: بلغنا أن زيد بن ثابت الأنصاري -رضوان الله عليه- كان يقول إذا سئل عن الأمر: أكان هذا؟ فإن قالوا: نعم، قد كان، حدَّث فيه بالذي يعلم والذي يرى، وإن قالوا: لم يكن. قال: فذروه حتى يكون. انتهى.
وروى عن الشعبي قال: سئل عمار بن ياسر -رضي الله عنه- عن مسألة، فقال: هل كان هذا بعد؟ قالوا: لا. قال: دعونا حتى يكون، فإذا كان تجشمناها لكم. انتهى.
وجاء في الآداب الشرعية: فصل: في كراهة السؤال عن الغرائب، وعما لا ينتفع، ولا يعمل به، وما لم يكن] قال المروزي: قال أبو عبد الله: سألني رجل مرة عن يأجوج ومأجوج: أمسلمون هم؟ فقلت له: أحكمت العلم حتى تسأل عن ذا. وقال أيضًا: قال أبو عبد الله: سأل بشر بن السري سفيان الثوري عن أطفال المشركين، فصاح به، وقال: يا صبي، أنت تسأل عن ذا.
وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله، وسأله ابن الشافعي الذي ولي قضاء حلب، قال له: يا أبا عبد الله، ذراري المشركين أو المسلمين، لا أدري أيهما سأل عنه، فصاح به أبو عبد الله، وقال له: هذه مسائل أهل الزيغ، ما لك ولهذه المسائل!؟ فسكت، وانصرف ولم يعد إلى أبي عبد الله بعد ذلك حتى خرج ... وسألته عن أخرى، فغضب وقال: خذ ويحك فيما تنتفع به، وإياك وهذه المحدثة، وخذ في شيء فيه حديث.
وقال الأثرم: سمعت أحمد سئل عن مسألة، قال: دعنا، ليت أنا نحسن ما جاء فيه الأثر. اهـ.
والله أعلم.