السؤال
هل هذا حديث؟ وإذا كان كذلك، فما درجة صحته؟ مع العلم أني سمعته من الشيخ الشعراوي: (أقبل الإمام علي -كرم الله وجهه- على القوم، فقال: أي آية في كتاب الله أرجى عندكم؟ فقال بعضهم: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. فقال الإمام: حسنة، وليست إياها. فقال بعض القوم: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم... فقال: حسنة، وليست إياها. فأحجم القوم، فقال: حسنة وليست إياها، فأحجم القوم، فقال الإمام علي: ما بالكم يا معشر المسلمين؟ فقالوا: لا شيء، والله ما عندنا شيء غير ذلك. فقال: سمعت حبيبي رسول الله يقول: أرجى آية في كتاب الله قوله: "وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات" يا علي، إن أحدكم ليقول من وضوئه، فتساقط عن جوارحه ذنوبه، فإذا أقبل على الله بوجهه وقلبه، لا ينثني إلا وقد غفر الله له كل ذنوبه كيوم ولدته أمه، فإذا أحدث شيئا بين الصلاتين، فله ذلك، ثم عدّ الصلوات الخمس واحدة واحدة، فقال بين الصبح والظهر، وبين الظهر والعصر، وبين العصر والمغرب، ثم عد كل الصلوات، ثم قال: يا علي، إنما الصلوات الخمس بالنسبة لأمّتي كنهر جار بباب أحدكم، أولو كان على جسد واحد منكم درن ثم اغتسل في البحر خمس مرات، أيبقى على جسده شيء من الدرنّ؟ قال: فذلكم والله الصلوات الخمس لأمتي.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور بهذا التمام واللفظ، لم نجده في شيء من كتب السنة، والذي يظهر لنا أنه مركب من عدة أحاديث، وليس حديثًا واحدًا مع تغيير في اللفظ الوارد في تلك الأحاديث.
فتشبيه الصلوات الخمس بالنهر الجاري قد جاء في الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا، مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ؟ قَالُوا: لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا. قَالَ: فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِنّ الْخَطَايَا.
وتساقط الذنوب من الجوارح مع ماء الوضوء، جاء في صحيح مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ -أَوِ الْمُؤْمِنُ- فَغَسَلَ وَجْهَهُ، خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ -أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ-، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ، خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ -، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ، خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ -أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ-، حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ.
وأما حديث إن أرجى آية قوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114}، فلم نجده فيما بين أيدينا من كتب السنة ودواوينها.
وأخيرًا: ننبه السائل الكريم وإخواننا المسلمين عمومًا إلى مسألة إطلاق لفظ: "الإمام" على الخليفة الراشد علي -رضي الله عنه- دون غيره من الخلفاء الراشدين، وكذا إطلاق لفظ: "كرم الله وجهه" عليه دون سائر الخلفاء الراشدين.
ولا شك أن عليًّا إمامٌ، وأن الله كرّم وجهه عن السجود للأصنام، ولكن لما صار إطلاق هذه الألفاظ عليه دون غيره من الخلفاء الراشدين شعارًا لأهل البدع، فإنه ينبغي للمسلم أن يبتعد عن مشابهتهم، وليقل: "رضي الله عنه"، فإن هذا أفضل وأعظم من جملة: "كرم الله وجهه"، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: وهنا يرد سؤال بالنسبة لقول الرافضة: علي كرم الله وجهه، أو الإمام علي؟
فالحقيقة أن هذه من شعار الرافضة، ونحن نقول: علي إمام، ولا شك، وقوله متبوع بأمر الرسول عليه الصلاة والسلام: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)، وعلي منهم، ونقول: أبو بكر إمام، وعمر إمام، وعثمان إمام، بل نقول: من دون هؤلاء إمام؛ الإمام أحمد بن حنبل، الإمام الشافعي، الإمام أبو حنيفة، فليست الإمامة خاصة بعلي بن أبي طالب، إلا إذا كانوا يريدون بها إمامة هم يدعونها، وهي إمامة العصمة، فنحن لا نقرّهم على ذلك، لا في علي بن أبي طالب، ولا في غيره إلا الرسول صلى الله عليه وسلم.
أما قولهم: كرم الله وجهه، فالتكريم ليس بأبلغ من الرضا، بل الرضا أبلغ، والدليل على ذلك أن أهل الجنة يقول الله لهم: (تمنوا علي)، فيقولون: ألم تعطنا؟! ألم تفعل؟! ألم تفعل؟! ويذكرون نعمه عليهم، ثم يقول: (إن لكم عليّ أن أحلّ عليكم رضواني فلا أسخط بعده أبدًا)، فصار الرضوان أعظم من التكريم، فهؤلاء الذين أرادوا أن يكرّموا علي بن أبي طالب عدلوا عن الأفضل إلى المفضول، فنقول لهم: إنكم إذا قلتم: علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فإن ذلك أفضل مما إذا قلتم: علي كرم الله وجهه؛ لأن التكريم دون الرضا، والدليل حديث أهل الجنة مع الله عز وجل حين يذكرون نعمه عليهم، فيقول (أحلّ عليكم رضواني فلا أسخط بعده أبدًا)، لكن الإنسان الذي يريد الباطل، فإنه -بإذن الله- يحرم الحق، فلما أرادوا الباطل بهذا، وتخصيص علي بن أبي طالب رضي الله عنه بهذا حرموا الحق، وعدلوا إلى المفضول مع وجود الأفضل. اهــ.
والله أعلم.