السؤال
لقد وقعت في خطأ لم أظن بأني سأقع فيه، لكنه كان خطأ نسيان فقط، فقد وقعت في ربا الصرف؛ بسبب تبادل العملة مع امرأة، وقد نسيت تمامًا أنه يحرم النساء في تجارة العملة، والمبلغ المالي الذي بحوزتي حاليًّا هو بالعملة الأخرى، وقد مرّ أكثر من شهر على المعاملة، ولم أتذكر هذه القاعدة في ذلك الوقت، فماذا أفعل؟ علمًا أني أتاجر بهذا المال عن طريق الشراء بالعملة الصعبة من الإنترنت، ثم أبيع بالعملة الوطنية، فهل أسترجع رأس مالي فقط وأتصدق بالأرباح، أم ماذا أفعل؟ فأنا ضائع تمامًا، وأحسّ بخيبة كبيرة؛ لوقوعي في الربا.
أرجو منكم الرد، وإعطائي الحل لمعالجة هذا الخطأ، دون إحالتي لفتاوى أخرى.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالتقابض في مجلس العقد شرط متفق عليه في صحة الصرف، فإن فات الشرط فسد الصرف، وإذا فسد وجب الترادّ في الصرف برد البدلين، فيردُّ السائل على هذه المرأة العملة التي أخذها منها، وترد هي عليه العملة التي أخذتها منه.
وقد بوَّب البخاري في صحيحه باب: إذا باع الوكيل شيئًا فاسدًا، فبيعه مردود. وأسند فيه حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر برني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: من أين هذا؟ قال بلال: كان عندنا تمر رديء، فبعت منه صاعين بصاع لنطعم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: أوه، أوه، عين الربا، عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري، فبع التمر ببيع آخر، ثم اشتره.
قال العيني في عمدة القاري: مطابقته للترجمة تفهم من قوله: (عين الربا، لا تفعل) لأن من المعلوم أن بيع الربا مما يجب رده. وقال بعضهم: ليس فيه تصريح بالرد، بل فيه إشعار به، ولعله أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرقه، فعند مسلم من طريق أبي نضرة، عن أبي سعيد في نحو هذه القصة، فقال: "هذا الربا، فردوه". انتهى.
وقال السرخسي في المبسوط: إذا اشترى ألف درهم بمائة دينار، وقبض الألف، وأعطاه بالمائة الدينار رهنًا يساويها، ثم تفرقا فسد البيع؛ لأن الاستيفاء لا يتم مع قيام الرهن، فإنما افترقا في عقد الصرف قبل قبض أحد البدلين، فإذا فسد الصرف، وجب عليه رد الألف. اهـ.
وقال ابن مازة الحنفي في المحيط البرهاني: المقبوض بحكم العقد الفاسد واجب الرد، وعند تعذر رد العين، يجب رد المثل فيما كان من ذوات الأمثال. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: المقبوض بالعقد الفاسد يجب فيه الترادّ من الجانبين، فيرد كل منهما على الآخر ما قبضه منه، كما في تقابض الربا عند من يقول: المقبوض بالعقد الفاسد لا يملك، كما هو المعروف من مذهب الشافعي، وأحمد. اهـ.
ولكن بعد مضي هذه المدة، قد لا يتيسر رد بدلي الصرف، إما لغياب المرأة، أو تصرفها في العملة التي أخذتها، أو غير ذلك من الأسباب.
وإن كان الأمر كذلك، فلا نرى أنه يجب على السائل أن يتصدق بربحه من هذا الصرف؛ لأنه لم يتعمد المخالفة، بل كان ذلك سهوًا، أو نسيانًا، وقد قال الله تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا {البقرة:286}، وقال سبحانه: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ {البقرة:275}، وانظر الفتوى: 132350.
ولأن هذا الربح ليس حقًّا للمرأة، بل هو نماء ماله، ثم هو إذا استرجع عملته منها، فيمكن أن يبيعها بربح أكثر.
وفي قصة بلال السابقة لم يصرح في رواية البخاري برد البيع، فقال ابن العطار في شرح العمدة: يحمل حديث بلال هذا على أنه جُهل بائعُهُ، ولا يمكن معرفته، فصار مالًا ضائعًا لمن عليه دين بقيمته، وهو التمر الرديء الذي قبضه عوضًا عن الصاعين الرديئين؛ وحينئذٍ لا يبقى فيه إشكال. اهـ.
ومع ذلك؛ فإن تصدق السائل بشيء: فهو خير يعمله، وفضل يقصده، وثواب يُرجى ذخره.
والله أعلم.