الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأما الحديث الأول، فهو المشهور، رواه الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى: وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ {الصافات:77}، قال: حام، وسام، ويافث. أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب، وأحمد، والروياني، والطبري. وضعفه الألباني، وشعيب الأرناؤوط. وذكر له ابن كثير في البداية والنهاية شاهدين ضعيفين عن عمران بن حصين، وعن أبي هريرة.
وأما الحديث الثاني فعزاه ابن الملقن في التوضيح لتفسير ابن مردويه. ولم يزد السيوطي في الدر المنثور في عزوه على ذلك! وكذاك من تبع السيوطي، كالشوكاني في فتح القدير، وصديق حسن خان في فتح البيان.
وتفسير ابن مردويه لم يطبع بعد، ويقال: إنه مفقود! ومع ذلك؛ فإن النسابين لا يذكرون لنوح إلا الأبناء الثلاثة المذكورين في حديث سمرة، قال القلقشندي في نهاية الأرب: قد وقع الاتفاق بين النسابين، والمؤرخين أن جميع الأمم الموجودة بعد نوح -عليه السلام-، جميعهم من بنيه، دون من كان معه في السفينة؛ وعليه يحمل قوله تعالى: {ذرية من حملنا مع نوح}. وأما من عدا بنيه ممن كان معه في السفينة، فقد روي: أنهم كانوا ثمانين رجلًا، وأنهم هلكوا عن آخرهم ولم يعقبوا. ثم اتفقوا أن جميع النسل من بنيه الثلاثة: يافث، وهو أكبرهم، وسام، وهو أوسطهم، وحام، وهو أصغرهم .... إذا علمت ذلك؛ فكل أمة من الأمم ترجع إلى واحد من أبناء نوح الثلاثة. اهـ.
وأما ما يتعلق بامرأة نوح، فما ذكره السائل هو الصحيح، فقد نص القرآن على كفرها، والسفينة لم يركبها إلا المؤمنون، كما قال تعالى: قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود:40]، وقال سبحانه: وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ [المؤمنون:27]، قال ابن كثير: أي: من سبق عليه القول من الله بالهلاك، وهم الذين لم يؤمنوا به من أهله، كابنه، وزوجته. اهـ.
وجاء في تفسير الجلالين: {إلا من سبق عليه القول منهم} بالإهلاك، وهو زوجته، وولده كنعان، بخلاف سام، وحام، ويافث، فحملهم وزوجاتهم ثلاثة. وفي سورة هود: {ومن آمن وما آمن معه إلا قليل}. اهـ. وكذا قال عامة المفسرين.
وقال ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب: وهم امرأته، وابنه كنعان. اهـ. وهذا مستند من نفى كون امرأته كانت معه في السفينة.
وقد روى الطبري في تفسير قوله تعالى: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ {الإسراء:3}، عن مجاهد قال: بنوه، ونساؤهم، ونوح، ولم تكن امرأته. اهـ.
ومن أهل العلم من نصّ على أن امرأته كانت معه في السفينة، كما روى الطبري في تفسيره عن قتادة في قوله تعالى: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ {الإسراء:3}، قال: بنوه ثلاثة، ونساؤهم، ونوح، وامرأته.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية: قد قيل: إن نوحًا -عليه السلام- لم يولد له هؤلاء الثلاثة الأولاد: (سام، وحام، ويافث) إلا بعد الطوفان، وإنما ولد له قبل السفينة كنعان الذي غرق، وعابر مات قبل الطوفان. والصحيح أن أولاده الثلاثة كانوا معه في السفينة هم ونساؤهم، وأمهم، وهو نص التوراة. اهـ.
وكفر امرأة نوح المنصوص عليه في القرآن لا يخفى على أمثال هؤلاء! فلعلهم يقصدون أن نوحًا -عليه السلام- كانت له زوجة أخرى مسلمة؛ فقد ذكر بعضهم في سياق واحد هلاك امرأته، وأنه كان معه امرأته في السفينة، كما قال البغوي في تفسيره: {إلا من سبق عليه القول} بالهلاك، يعني امرأته واعلة، وابنه كنعان، {ومن آمن}، يعني: واحمل من آمن بك ... قال قتادة، وابن جريج، ومحمد بن كعب القرظي: لم يكن في السفينة إلا ثمانية، نوح، وامرأته، وثلاثة بنين له، ونساؤهم". اهـ.
وقد نص بعض المفسرين على أنه كان لنوح امرأة مسلمة، قال البيضاوي في أنوار التنزيل: {إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} بأنه من المغرقين، يريد ابنه كنعان، وأمه واعلة، فإنهما كانا كافرين. {وَمَنْ آمَنَ} والمؤمنين من غيرهم. {وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} قيل: كانوا تسعة وسبعين: زوجته المسلمة، وبنوه الثلاثة: سام، وحام، ويافث، ونساؤهم، واثنان وسبعون رجلًا وامرأة من غيرهم. اهـ. وكذا قال ابن عجيبة في البحر المديد.
وقال الخطيب الشربيني في السراج المنير: {إلا من سبق عليه القول} بأنه من المغرقين، وهو: ابنه كنعان، وأمّه واعلة، وكانا كافرين، حكم الله تعالى عليهما بالهلاك، بخلاف سام، وحام، ويافث، وزوجاتهم ثلاثة، وزوجته المسلمة. اهـ.
والله أعلم.