السؤال
لدي سؤال يراودني وهو أن هنالك مقولة يرددها جميع المسلمين، ألا وهي: الحمد لله على نعمه الإسلام، وهي أكبر النعم على الإنسان. ولكن أين العدل في أن الله خلق المسلمين مسلمين، وخلق الكافرين كافرين؟! وكما نعلم من دين الإسلام فإن من نطق الشهادتين مهما فعل سيرحمه الله، ويدخله الجنة بعد حسابه. كيف لإنسان عاش وترعرع في بلد مسلم، أن يحاسب كالذي كبر وترعرع في بلد غير مسلم؟ فكما لم يكن لنا حول ولا قوه في كوننا مسلمين، فهم أيضا لم يكن لهم حول وقوة في كونهم غير مسلمين.
حسنا ستقول لي : ليس كل مسلم مسلما، نعم، ليس كل مسلم مسلما، ولكن في بلاد الإسلام المعاصي والذنوب تعامل بأنها منكر ويرد فاعلها ويزجر، وإن كان من باب العرف. كما أن الجو لهذه البلاد إسلامي: فتسمع الأذان وخطب الجمعة، والدروس، وتشارك المسلمين بصلاتهم. فهذا له أثر في أن يهدى قلبك للإيمان، على عكس جو البلاد غير المسلمة.
فاين عدل الله وهو أعدل العادلين؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن تعرضنا لجواب أصل هذه الشبهة، وراجع في ذلك الفتويين: 252241، 160311.
ونضيف هنا أن هذا الإشكال لو صح التمسك به، لاحتج بعض المسلمين على بعض! فإن بلاد المسلمين تتفاوت تفاوتا عظيما في الفتن والشبهات وأنواع الفساد، ووجود الطاعات والمنكرات، فيحتج من عاش في بلد يكثر فيه الشر على من كان في بلد يقل فيه ذلك. بل إن هذا التفاوت يحصل في البلد الواحد على اختلاف نواحيه، بل في الناحية الواحد يحصل التفاوت بين البيوت والعائلات والأسر!!
ناهيك عن مقارنة العصور والأزمان بعضها ببعض، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه هذه. رواه مسلم. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: يأتي على الناس زمان، الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر. رواه الترمذي، وصححه الألباني.
وهذا في الحقيقة لا يلغي التكليف والأمانة التي حملها الإنسان، فالحق يبقى حقا وإن كثر مخالفوه، وتنادى محاربوه. وليس هناك أقل من اعتقاد الحق والإقرار به، ثم بعد ذلك تراعى القدرة والعجز في الالتزام بمقتضياته، وقد عاش رجل مؤمن بين آل فرعون يكتم إيمانه، وعذر الله المكرَه على النطق بكلمة الكفر، فقال: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {النحل:106}.
وهنا يتجلى عدل الله تعالى في شريعته التي تفرق في تكاليفها بين القادر والعاجز، والقوي والضعيف، والغني والفقير، والرجل والمرأة، والبالغ والطفل، والمسافر والمقيم، والصحيح والسقيم. ناهيك عن المفاضلة بين أجور هؤلاء باعتبار الواقع الذي يعيشونه والمشقة التي تلحقهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم: إن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيه مثل قبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله. قيل: يا رسول الله؛ أجر خمسين منهم؟ قال: أجر خمسين منكم. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني.
والله أعلم.