السؤال
أحبكم في الله تعالى، وأوصيكم بالدعاء لي بظهر الغيب بالهداية والشفاء، وحسن الختام إن شاء الله تعالى.
سؤالي عن صحة هذه القصة التي تنسب للخليفة الراشد عثمان بن عفان ذي النورين -رضي ربي عنه وأرضاه- حيث ذكر في أحد مواقع أهل البدع، أن أخا عثمان بن عفان من أمه كان قد شرب الخمر، وسكر وصلى بالناس صلاة الغداة وهو سكران. وحين أتى الشهود عثمان وقالوا له القصة، أنَّبَهم وتوعَّدهم، فذكر الشهود الأربعة لسيدتي وأمي الطاهرة عائشة زوج النبي -عليه الصلاة والسلام- فقالت في حق عثمان إنه قد أبطل الحدود وهدد الشهود. حتى بلغ الخبر سيدي عليا بن أبي طالب -رضي ربي عنه وأرضاه- فأتى سيدي عثمان -رضي ربي عنه وأرضاه- فعاتبه في القصة، حتى قال له إن سيدي عمر بن الخطاب -رضي ربي عنه وأرضاه- قال: لا تولوا بني أمية وآل ..... خاصة على رقاب الناس.
فهل هذه القصة صحيحة أثابكم الله تعالى بكل خير؟
أرجوكم لا تنسوني من الدعاء الذي أوصيتكم به. أسأل الله تعالى أن يذكركم بي في خلواتكم مع ربكم جل جلاله، ودعائكم له؛ فتذكروني وتدعوا لي بالخير.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقصة المذكورة مكذوبة، فإن الثابت في الصحاح أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه- هو الذي أمر بجلد أخيه لأمه الوليد بن عقبة. ففي صحيح مسلم: عن حضين بن المنذر أبو ساسان، قال: شهدت عثمان بن عفان وأتي بالوليد قد صلى الصبح ركعتين، ثم قال: أزيدكم، فشهد عليه رجلان أحدهما حمران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه رآه يتقيأ، فقال عثمان: إنه لم يتقيأ حتى شربها، فقال: يا علي، قم فاجلده، فقال علي: قم يا حسن فاجلده، فقال الحسن: ول حارها من تولى قارها، فكأنه وجد عليه، فقال: يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده، فجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين، فقال: أمسك، ثم قال: «جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين»، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، " وكلٌ سنة، وهذا أحب إلي.
وفي صحيح البخاري: عن الزهري، حدثنا عروة بن الزبير، أن عبيد الله بن عدي بن الخيار، أخبره أن المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث، قالا له: ما يمنعك أن تكلم خالك عثمان في أخيه الوليد بن عقبة، وكان أكثر الناس فيما فعل به، قال عبيد الله: فانتصبت لعثمان حين خرج إلى الصلاة، فقلت له: إن لي إليك حاجة، وهي نصيحة، فقال: أيها المرء، أعوذ بالله منك، فانصرفت، فلما قضيت الصلاة جلست إلى المسور وإلى ابن عبد يغوث، فحدثتهما بالذي قلت لعثمان، وقال لي، فقالا: قد قضيت الذي كان عليك، فبينما أنا جالس معهما، إذ جاءني رسول عثمان، فقالا لي: قد ابتلاك الله، فانطلقت حتى دخلت عليه، فقال: ما نصيحتك التي ذكرت آنفا؟ قال: فتشهدت، ثم قلت: "إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه الكتاب، وكنت ممن استجاب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وآمنت به، وهاجرت الهجرتين الأوليين، وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت هديه، وقد أكثر الناس في شأن الوليد بن عقبة، فحق عليك أن تقيم عليه الحد، فقال لي: يا ابن أخي، آدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: قلت: لا، ولكن قد خلص إلي من علمه ما خلص إلى العذراء في سترها، قال: فتشهد عثمان، فقال: إن الله قد بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، وكنت ممن استجاب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وآمنت بما بعث به محمد صلى الله عليه وسلم، وهاجرت الهجرتين الأوليين، كما قلت: وصحبت رسول الله وبايعته، والله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله، ثم استخلف الله أبا بكر، فوالله ما عصيته ولا غششته، ثم استخلف عمر، فوالله ما عصيته ولا غششته، ثم استخلفت، أفليس لي عليكم مثل الذي كان لهم علي؟ قال: بلى، قال: فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم؟ فأما ما ذكرت من شأن الوليد بن عقبة، فسنأخذ فيه -إن شاء الله- بالحق، قال: فجلد الوليد أربعين جلدة، وأمر عليا أن يجلده، وكان هو يجلده.
قال ابن تيمية: وأما قوله -المبتدع- : " أراد عثمان تعطيل حد الشرب في الوليد بن عقبة، حتى حده أمير المؤمنين".
فهذا كذب عليهما، بل عثمان هو الذي أمر عليا بإقامة الحد عليه، كما ثبت ذلك في الصحيح، وعلي خفف عنه وجلده أربعين، ولو جلده ثمانين لم ينكر عليه عثمان .اهـ. من منهاج السنة.
والله أعلم.