السؤال
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ: لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ.
وفي آية الكريمة: يخاطب الله عز وجل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ، فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا، فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ، وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ، وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ
هل هناك حكم خاص بالنبي في رفع البصر أثناء الصلاة؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة، والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليس في الآية نص على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقلب وجهه في السماء وهو في الصلاة، ولم يرد حديث صحيح أنه فعل ذلك في الصلاة، وإنما روي ذلك مرسلا من طريق أسباط عن السدي، ولفظ الشاهد منه: كان إذا صلَّى رفع رأسه إلى السماء ينظر ما يؤمر، وكان يصلّي قِبَل بيت المقدس؛ فنسختْها الكعبة ... اهـ.
وهو ضعيف مرسل (انظر صحيح وضعيف تاريخ الطبري 7 / 72).
وعلى فرض صحته فيكون قبل النهي عن رفع البصر في الصلاة، كما في أثر ابن سيرين عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى رفع بصره إلى السماء، فنزلت {الذين هم في صلاتهم خاشعون} فطأطأ رأسه. رواه الحاكم والبيهقي والواحدي في أسباب النزول وغيرهم، وصحح البيهقي وغيره إرساله، وقال الألباني في أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: والظاهر أن ابن سيرين كان يرسل الحديث مرة، ويوصله أخرى. والعمدة على من وصله. اهـ.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار: لعل ذلك كان عند إرادته صلى الله عليه وسلم تحويل القبلة كما وصفه الله تعالى في كتابه بقوله: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها}. اهـ.
وعلى أي حال فقد حكي الإجماع على كراهة رفع البصر في السماء.
قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري عند حديث: ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم، فاشتد قوله في ذلك، حتى قال: لينتهين عن ذلك، أو لتخطفن أبصارهم. قال: العلماء مجمعون على القول بهذا الحديث، وعلى كراهية النظر إلى السماء في الصلاة، وقال ابن سيرين: كان رسول الله مما ينظر إلى السماء في الصلاة، فيرفع بصره حتى نزلت آية .. (الذين هم في صلاتهم خاشعون) قال: فوضع النبي رأسه. اهـ.
وقال القاضي عياض في إكمال المعلم: قد حكى بعض العلماء الإجماع على النهى عن ذلك في الصلاة. اهـ.
وكذا قال النووي في شرح مسلم.
وقال ابن رجب في فتح الباري: في الحَدِيْث: دليل عَلَى كراهة رفع بصره إلى السماء فِي صلاته. وقد روي هَذَا الحَدِيْث عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من رِوَايَة عدة من الصَّحَابَة. وروي النهي عَن حذيفة وابن مَسْعُود. وَقَالَ سُفْيَان: بلغنا أن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يرفع بصره إلى السماء فِي الصلاة، حَتَّى نَزَلَتْ {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:2] فرمى ببصره نحو مسجده. والمعنى فِي كراهة ذَلِكَ: خشوع المصلي، وخفض بصره، ونظره إلى محل سجوده؛ فإنه واقف بَيْن يدي الله - عز وجل - يناجيه، فينبغي أن يكون خاشعاً منكساً رأسه، مطرقاً إلى الأرض. اهـ.
وقد حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم رفع البصر إلى السماء في عدة أحوال، ولكن خارج الصلاة.
قال ابن حجر في الفتح: وفي الباب حديث أبي موسى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يرفع بصره إلى السماء .. الحديث أخرجه مسلم. وحديث عبد الله بن سلام: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس يتحدث يكثر أن يرفع بصره إلى السماء. أخرجه أبو داود. فحاصل طريق الجمع أن النهي خاص بحالة الصلاة. اهـ.
والله اعلم