الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاستناد إلى الوحيين طريق الصواب

السؤال

بعض الناس يطبق ما جاء في القرآن الكريم فقط,ولا يلتفت إلى السنة؛ لأن الله تعالى قال: ((ما فرطنا في الكتاب من شيء))، وبعضهم يأخذ من السنة وحدها؛ لأنها توضح القرآن وتفصل مجمله، وبعضهم يستند إليهما جميعا، فأي هؤلاء على صواب، وأيهم على خطأ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فاعلم أن مصدر القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة واحد هو الله جل وعلا، فالتفريق بينهما تفريق بين الله ورسله هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن طاعة الله ورسوله متلازمتان، فمن أطاع الرسول فقد أطاع الله، قال الله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]. وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم هو حكم لله المبلغ عنه. فلا يجوز التفريق بين كلام الله وكلام رسوله فكلاهما وحي، والسنة مبينة للكتاب شارحة له، قال الله تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]. فلا يمكن التفريق بين المبين والبيان، وقد حكم الله تعالى وهو أحسن الحاكمين أن يرد الأمر عند التنازع إلى الله ورسوله، فقال: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [النساء:59]. والرد إلى الله أي إلى القرآن وإلى رسوله أي السنة. قال ابن القيم في تفسير الآية السابقة: فأمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله، وأعاد الفعل إعلاماً بأن طاعة الرسول تجب استقلالاً من غير عرض ما أمر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقاً، سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه، فإنه أوتي الكتاب ومثله معه. انتهى. وعليه فأهل الفلاح والفوز هم أهل طاعة الله ورسوله، كما قال الله عز وجل: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:52]. وأما من زعم أنه يستغنى بالقرآن عن السنة فهو ضال مضل، فليأت إن كان صادقاً من القرآن بأن صلاة الظهر أربع وصلاة العصر أربع، وأن نصاب الزكاة في الذهب عشرون مثقالاً وفي الفضة مائتا درهم، وما استدل به هؤلاء من القرآن على فكرهم لا دليل فيها، فقول الله عز وجل: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38]،لا يدل على ما زعموا وذلك من وجوه: الأول: أن الكتاب هنا فسر على أنه اللوح المحفوظ وليس القرآن. الثاني: على فرض أنه القرآن فلا يمكن حمل الآية على ظاهرها من العموم، وأن القرآن اشتمل على بيان وتفصيل كل شيء، سواء أكان من أمر الدين أم الدنيا، لأنه يلزم من ذلك الخلف في خبير الله تعالى، كما هو الظاهر في الأمور الدنيوية، فوجب تأويل الآية والعدول بها عن ظاهرها، وأحسن ما قيل في تأويلها: أن الكتاب لم يفرط في شيء من أمور الدين على سبيل الإجمال، وأنه بين جميع كليات الشريعة دون النص على جزئياتها وتفاصيلها، وأنه ترك تفاصيل ذلك للسنة لأنها المبينة للقرآن والمخصصة لعمومه والموضحة لمشكله... إلخ. وفي هذا القدر كفاية لبيان ما أشكل على السائل وننصحه بمراجعة كتاب: حجية السنة لعبد الغني عبد الخالق. والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني