السؤال
في الفواحش الجنسية يشترط أربعة شهود، أو اعتراف لا يرجع عنه صاحبه، فهل نستفيد من ذلك أن الله سبحانه وتعالى لا يريد تطبيق هذه الحدود؟
في الفواحش الجنسية يشترط أربعة شهود، أو اعتراف لا يرجع عنه صاحبه، فهل نستفيد من ذلك أن الله سبحانه وتعالى لا يريد تطبيق هذه الحدود؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن اشتراط أربعة شهداء، أو الإقرار الذي لا يرجع عنه صاحبه في إثبات الزنا، لا يستفاد منه أن الله سبحانه وتعالى لا يريد تطبيق هذه الحدود، ولكن الله سبحانه وتعالى شرط هذه الشروط في الزنا خاصة، سترًا على العباد، وتغليظًا على المدعي؛ لأن شهادته قد يترتب عليها قتل، وعار دائم، قال ابن رشد في المقدمات الممهدات: وأما وجوب حد الزنى بالبينة، فلا اختلاف بين أحد من أهل العلم أن الحد لا يقام بأقل من أربعة شهداء رجال عدول على معاينة الفعل، كالمرود في المكحلة، والأصل في ذلك قول الله عز وجل: وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ {النساء: 15}، وقوله: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ {النور: 4}، وقد حكي عن قوم أنهم أجازوا في الزنا شهادة ثلاثة رجال وامرأتين، وذلك خلاف للقرآن، وقد قيل في اختصاص الشهادة في الزنا بأربعة شهداء من بين سائر الأشياء غير ما وجه، منه: أن القاذف لا ضرورة به إلى القذف، فغلظ عليه في ذلك بزيادة عدد الشهود؛ ليتعذر عليه غالبًا، فيحد، فيكون ذلك ردعًا له عن معاودة القذف، ودفعًا للمضرة عن المقذوف، ومنه: أن الإنسان مأمور بالستر على نفسه، وعلى غيره، فلما لم يكن على الشهود بالزنا القيام بشهادتهم، فقاموا بذلك من غير أن تجب عليهم، وتركوا ما أمروا به من الستر، غلظ عليهم في ذلك؛ سترًا من الله على عباده، وهذا أحسن ما قيل في هذا، وقد قيل: إنما احتج في الزنا إلى أربعة شهداء؛ لأنه بمنزلة فعلين؛ لأن الزنا منه ومنها، منه الفعل، ومنها التمكين، فاحتاج كل فعل إلى شاهدين، وهذا فيه نظر، وبالله التوفيق. اهـ.
وقال صاحب البداية الحنفي: في اشتراط الأربعة يتحقق معنى الستر، وهو مندوب إليه، والإشاعة ضده. اهـ.
وقال البابرتي في العناية شرح الهداية: وقوله: في اشتراط الأربعة تحقيق معنى الستر ـ احتراز عن قول من يقول: إنما اشترط الأربع؛ لأن الزنا لا يتم إلا باثنين، وفعل كل واحد لا يثبت إلا بشهادة شاهدين، فإنه ضعيف؛ لأن فعل الواحد كما يثبت بشهادة شاهدين، كذلك يثبت بها فعل الاثنين، وإنما الصواب أن الله تعالى أحب الستر على عباده، وشرط زيادة العدد؛ تحقيقًا لمعنى الستر، وقوله وهو ـ أي: الستر ـ مندوب إليه، قال صلى الله عليه وسلم: من أصاب منكم من هذه القاذورات شيئًا، فليستتر بستر الله ـ وقال: من ستر على مسلم، ستره الله في الدنيا والآخرة ـ والإشاعة ضده ـ أي؛ إظهار الزنا ضد ستر الزنا ـ فكان وصف الإشاعة على ضد وصف الستر لا محالة. اهـ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني