السؤال
هل يكون العقد باطلاً في هذه الحالات: إذا أردت شراء أمر مباح شرعاً مثل منزل، أو سيارة، من شخص اشتراه بمال حرام خالص.
أو أردت بيع أمر مباح لنفس الشخص، أم يكون العقد صحيحاً مع الإثم؟
وهل يكون البيع باطلاً لو بعت أمرا مباحاً، لمن ماله غير حرام، لكن الذي يريد الشراء، يريد استخدامه في الحرام؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشراء سلعة من بائع قد اشتراها بثمن محرم كالربا، وثمن الخمر، محل خلاف بين أهل العلم.
قال ابن رشد (الجد) رحمه الله: وأما إذا كان ماله كله حراما، إما بأن لا يكون له مال حلال، وإما أن يكون قد ترتب في ذمته من الحرام ما يستغرق ما بيده من الحلال، فاختلف في معاملته، وقبول هبته، وأكل طعامه، على أربعة أقوال:
أحدها: أن ذلك كله لا يجوز، وإن كانت السلعة التي وهب، أو الطعام الذي أطعم قد علم أنه اشتراه. وأما إن علم أنه ورثه، أو وهب له، فيكون حكمه حكم ما اشتراه.
والثاني: أن معاملته ومبايعته تجوز في ذلك المال، وفيما ابتاعه من السلع، وفيما وهب له، أو ورثه، وإن كان عليه من التباعات ما يستغرقه، إذا عامله بالقيمة ولم يحابه. ولا تجوز هبته في شيء من ذلك، ولا محاباته فيه.
والثالث: أن مبايعته لا تجوز في ذلك المال، فإن اشترى سلعة بذلك المال، جاز أن يشترى منه، وأن تقبل منه هبته. وكذلك ما ورثه، أو وهب له، وإن كان ما عليه من التباعات قد استغرقه، روي هذا القول عن ابن سحنون، وابن حبيب. وكذلك هؤلاء العمال ما اشتروه في الأسواق، فأهدوه لرجل، طاب للمهدى له.
والرابع: أن مبايعته وقبول هبته، وأكل طعامه، يجوز في ذلك المال، وفيما اشتراه، أو وهب له، أو ورثه، وإن كان عليه من التباعات ما قد استغرقه. المقدمات الممهدات.
وأمّا بيع السلعة لمن يستعملها في الحرام، فهو غير جائز، وأما من حيث صحة البيع أو بطلانه، ففيه خلاف وتفصيل، والجمهور على صحته.
فقد جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ذهب الجمهور (الحنفية والمالكية والشافعية) وهو أيضا احتمال عند الحنابلة، إلى: أن البيع صحيح؛ لأنه لم يفقد ركنا ولا شرطا.
غير أن المالكية نصوا مع ذلك، في مسألة بيع السلاح، على إجبار المشتري على إخراجه عن ملكه، ببيع أو هبة أو نحوهما، من غير فسخ للبيع.
يقول الدسوقي: يمنع أن يباع للحربيين آلة الحرب، من سلاح أو كراع أو سرج، وكل ما يتقوون به في الحرب، من نحاس أو خباء، أو ماعون، ويجبرون على إخراج ذلك.
كما نص القليوبي من الشافعية، على أن من باع أمة لمن يكرهها على الزنى، ودابة لمن يحملها فوق طاقتها، فللحاكم أن يبيع هذين على مالكهما قهرا عليه.
ومذهب الحنابلة أن هذا البيع باطل؛ لأنه عقد على عين لمعصية الله تعالى بها، فلم يصح. اهـ.
والله أعلم.