السؤال
جاء في الحديث: لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيّب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه، المفارق للجماعة. ماذا عن قتل الصائل، والفئة الباغية؟
جاء في الحديث: لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيّب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه، المفارق للجماعة. ماذا عن قتل الصائل، والفئة الباغية؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن قتل الصائل ثبت النص عليه، فيما روى مسلم في صحيحه: أن رجلا قال: يا رسول الله: أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار.
قال الإمام النووي في شرحه على مسلم: فيه جواز قتل القاصد لأخذ المال بغير حق، سواء كان المال قليلاً، أو كثيراً؛ لعموم الحديث. اهـ.
وثبت كذلك ما يفيد قتال الفئة الباغية في قوله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {الحجرات:9}.
وثبت قتل غير هذين بنصوص أخرى، وقد اختلف أهل العلم هل أنواع القتل المذكورة داخلة في عمومات الأشياء الثلاث الواردة في الحديث، أم إن ما يفيده الحديث من الحصر، منسوخ بنصوص أخرى.
قال ابن دقيق العيد في شرح الأربعين: التارك لدينه المفارق للجماعة: عام في كل مرتد عن الإسلام، بأي ردة كانت، فيجب قتله إن لم يرجع إلى الإسلام.
قال العلماء: ويتناول أيضاً كل خارج عن الجماعة ببدعة، أو بغي أو غيرهما.. والظاهر أن هذا عام يخص منه الصائل ونحوه، فيباح قتله في دفع أذاه، وقد يجاب عن هذا: بأنه داخل في المفارق للجماعة، ويكون المراد: لا يحل تعمد قتله قصداً إلا في هؤلاء الثلاثة. والله أعلم. اهـ.
وقال الصنعاني في سبل السلام: وَقَوْلُهُ: الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ، يَتَنَاوَلُ ـ كُلَّ خَارِجٍ عَنْ الْجَمَاعَةِ بِبِدْعَةٍ، أَوْ بَغْيٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا كَالْخَوَارِجِ إذَا قَاتَلُوا وَأَفْسَدُوا، وَقَدْ أُورِدَ عَلَى الْحَصْرِ أَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُ الصَّائِلِ وَلَيْسَ مِنْ الثَّلَاثَةِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ: الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَجُوزُ قَتْلُهُمْ قَصْدًا، وَالصَّائِلُ لَا يُقْتَلُ قَصْدًا بَلْ دَفْعًا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ لِطَلَبِ إيمَانِهِ، بَلْ لِدَفْعِ شَرِّهِ. اهـ.
وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري: وفيه حصر ما يوجب القتل في الأشياء الثلاثة المذكورة، وحكى ابن العربي عن بعض أصحابهم: أن أسباب القتل عشرة.
وقال ابن العربي: ولا يخرج عن هذه الثلاثة بحال، فإن من سحر، أو سب الله، أو سب النبي، أو الملك، فإنه كافر.
وقال الداودي: هذا الحديث منسوخ بقوله تعالى: {من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض} فأباح القتل بالفساد، وبحديث: قتل الفاعل والمفعول به، في الذي يعمل عمل قوم لوط، وقيل: هما في الفاعل بالبهيمة. اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: قال شيخنا: -يعني الحافظ العراقي- في شرح الترمذي: استثنى بعضهم من الثلاثة قتل الصائل، فإنه يجوز قتله للدفع، وأشار بذلك إلى قول النووي: يخص من عموم الثلاثة الصائل ونحوه، فيباح قتله في الدفع، وقد يجاب بأنه داخل في المفارق للجماعة. أو يكون المراد: لا يحل تعمد قتله، بمعنى أنه لا يحل قتله إلا مدافعة بخلاف الثلاثة.
قال الحافظ: والجواب الثاني هو المعتمد، وحكى ابن التين عن الداودي أن هذا الحديث منسوخ بآية المحاربة: من قتل نفساً بغير نفس، أو فساد في الأرض.
قال: فأباح القتل بمجرد الفساد في الأرض. قال: فقد ورد في القتل بغير الثلاث أشياء، منها قوله تعالى: فقاتلوا التي تبغي، وحديث: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوه. وحديث: من أتى بهيمة فاقتلوه، وحديث: من خرج وأمر الناس جمع يريد تفرقهم فاقتلوه. وقول جماعة الأئمة: إن تاب أهل القدر وإلا قتلوا، وقول جماعة من الأئمة: يضرب المبتدع حتى يرجع، أو يموت. وقول جماعة من الأئمة: يقتل تارك الصلاة.
قال: وهذا كله زائد على الثلاث.
قال الحافظ: وزاد غيره قتل من طلب أخذ مال إنسان، أو حريمه بغير حق، ومن ارتد ولم يفارق الجماعة، ومن خالف الإجماع وأظهر الشقاق والخلاف، والزنديق إذا تاب على رأي، والساحر.
والجواب عن ذلك كله: أن الأكثر في المحاربة أنه إن قَتل، قُتل، وبأن حكم الآية في الباغي أن يقاتل، لا أن يقصد إلى قتله، وبأن الخبرين في اللواط وإتيان البهيمة لم يصحا، وعلى تقدير الصحة فهما داخلان في الزنى.
وحديث الخارج عن المسلمين، تقدم تأويله بأن المراد بقتله حبسه، ومنعه من الخروج، والقول في القدرية وسائر المبتدعة، مفرع على القول بتكفيرهم، وبأن قتل تارك الصلاة عند من لا يكفر مختلف فيه، كما تقدم. وأما من طلب المال أو الحريم، فمن حكم دفع الصائل، ومخالف الإجماع داخل في مفارق الجماعة، وقتل الزنديق؛ لاستصحاب حكم كفره، وكذا الساحر..
وقد حكى ابن العربي عن بعض أشياخه أن أسباب القتل عشرة، قال ابن العربي: ولا تخرج عن هذه الثلاثة بحال، فإن من سحر، أو سب نبي الله، كفر، فهو داخل في التارك لدينه. انتهى كلام الحافظ باختصار.
وقد بسط ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/ 347) الكلام على هذا، فراجعه.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني