الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الجوائز على المسابقة بالأقدام

السؤال

أقوم بالتدرب على الجري لمسافات طويلة ـ نصف ماراثون أو ماراثون ـ ويقيمون في بلدي مسابقات الماراثون على أن يأخذ الأوائل جوائز مالية معتبرة، حيث نأخذ المكافئة من شركات راعية، وليس فيها قمار، لكن الجري في البداية يكون مختلطا وسأجتنب ـ بإذن الله ـ ملامسة النساء والنظر إليهن، وفيه كشف للعورات، مع العلم أنني أستر عورتي، وهناك من هم مثلي وأبتعد عن النساء، فهل المال المكتسب من هذه المسابقات حرام، مع العلم أن العورات مكشوفة في الأسواق عند ممارسة التجارة وفي أي مكان، فالأمر يقتصر على غض البصر وتجنب الاحتكاك بالنساء؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن المسابقة بعوض على الأقدام محل خلاف بين العلماء، فأجازها الحنفية، خلافا لجمهور الفقهاء، جاء في الفروسية لابن القيم: وأما المسابقة بالأقدام فاتفق العلماء على جوازها بلا عوض، واختلفوا هل يجوز بعوض على قولين: أحدهما لا يجوز، وهو مذهب أحمد ومالك، ونص عليه الشافعي، والثاني يجوز، وهو مذهب أبي حنيفة، وللشافعية وجهان فحجة من منعه حديث أبي هريرة: لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل ـ قالوا ولأن غير هذه الثلاثة لا يحتاج إليها في الجهاد كالحاجة إلى الثلاثة، ولا يقوم مقامها، ولا ينفع فيه نفعها، فكانت كأنواع اللعب الذي لا يجوز المراهنة عليه، وحجة من جوز الجعل في ذلك قياس القدم على الحافر والخف، فإن كلا منهما مسابقة، فهذا بنفسه وهذا بمركوبه، قالوا وكما أن في مسابقة الإبل والخيل تمرينا على الفروسية والشجاعة، فكذلك المسابقة على الأقدام فإن فيها من تمرين البدن على الحركة والخفة والإسراع والنشاط ما هو مطلوب في الجهاد، قالوا والحديث يحتمل أن يراد به أن أحق ما بذل فيه السبق هذه الثلاثة لكمال نفعها وعموم مصلحتها، فيكون كقوله: لا ربا إلا في النسيئة ـ أي إن الربا الكامل في النسيئة. اهـ.

ونقل جوازه عن ابن تيمية، جاء في الفروع لابن مفلح: والصراع والسبق بالأقدام ونحوهما طاعة إذا قصد به نصر الإسلام وأخذ السبق عليه أخذ بالحق، فالمغالبة الجائزة تحل بالعوض إذا كانت مما ينفع في الدين، كما في مراهنة أبي بكر، اختار ذلك شيخنا، وقال: إنه أحد الوجهين. اهـ.

وجوزه كذلك ابن عثيمين، جاء في لقاء الباب المفتوح: السائل: طيب! إذا كان العوض من طرف ثالث ليس من المتسابقَين؟ الشيخ: فهذا لا بأس به، السائل: في كل المسابقات، أو في الثلاث؟ الشيخ: في كل المسابقات إلا هذه المسابقات المحرمة، السائل: جائزة يا شيخ؟ الشيخ: المسابقات المحرمة ليست جائزة، السائل: أقصد إن كان العوض في المسابقات من طرف ثالث! الشيخ: المسابقات الجائزة مثل أن يقول: تسابقوا على الأقدام والذي يسبق منكم له مائة ريال هذا لا بأس به، أو تصارعوا والذي يصرع منكم له مائة ريال، فهذا لا بأس به، لأنه يعتبر مكافأة وتشجيعاً، أما إذا كانت من الجانبين إما غارم أو غانم، فهذه لا تجوز إلا في الثلاث التي ذكرتُ لك. اهـ باختصار.

لكن مبنى الجواز عند ابن عثيمين مختلف عن مبناه عند الحنفية ونحوهم، فالحنفية أجازوا العوض في المسابقة على الأقدام، لأنها ملحقة بما جاء في النص، وأما ابن عثيمين فأجازها لأن العوض من طرف غير المتسابقين، فالعوض عنده من غير المتسابقين جائز في جميع المسابقة غير المحرمة، وأما عامة العلماء فلا يجوزون المسابقة بعوض ـ ولو من غير المتسابقين ـ إلا فيما جاء به النص أو ما في معناه، وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 35555.

وأما الاشتراك بالمسابقة مع مشاركة النساء المتبرجات فيها ووقوع الاختلاط بهن: فراجع في حكمه الفتاوى التالية أرقامها: 306721، 42604.

وعلى كل حال، فلا تأثير لمشاركة النساء المتبرجات والاختلاط بهن على حكم العوض المكتسب من المسابقة، فالجهة منفكة بين الأمرين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني