السؤال
كنت أجادل أحد الشباب الذين لا يعذرون بالجهل، وعندما كنت أطرح عليه أدلة العذر بالجهل من السنة، كمواقف الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، والأعراب، وهكذا، كان رده الأول هو أن الدِّين حينها لم يكن اكتمل، فهل العقيدة والتوحيد فيها كمال ونقصان في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، أم اكتمل إيصال العقيدة في وقت معين؟ كأن أقول: إنها اكتملت ووصلت للصحابة بعد الهجرة، أو بعد فتح مكة، أو بمعنى صريح متى اكتمل تعليم النبي صلى الله عليه وسلم العقيدة للصحابة؟ وجزاكم الله خيرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالدِّين لم يكتمل إلا في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك لم ينزل الله تعالى قوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دينا [المائدة:3] إلا في حجة الوداع، بعد اثنتين وعشرين سنة من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ظل النبي صلى الله عليه وسلم خلالها يعلم أمته أمور دينهم -عقيدة، وشريعة- حتى آخر حياته صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك ما روته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. قالت: يحذرهم مما صنعوا. رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- قال: كان آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن قال: أخرجوا يهود أهل الحجاز، وأهل نجران من جزيرة العرب، واعلموا أن شرار الناس الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. رواه أحمد، وغيره، وصححه الألباني.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: عامة السور المكية التي أنزلها الله بمكة هي في هذا الإيمان العام، المشترك بين الأنبياء جميعهم ... فمسمى الإيمان والدين في أول الإسلام، ليس هو مسماه في آخر زمان النبوة، بل مسماه في الآخر أكمل من مسماه في أول البعثة، وأوسطها، كما قال تعالى في آخر الأمر: {اليوم أكملت لكم دينكم}، وقال بعدها: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله}؛ ولهذا قال الإمام أحمد: كان الإيمان في أول الإسلام ناقصًا، فجعل يتم. اهـ.
ولكن هذا لا يتعارض مع مبدأ العذر بالجهل حتى بعد اكتمال الدين، فالمسألة بحسب بلوغ العلم، وقيام الحجة الرسالية التي يكفر مخالفها، قال شيخ الإسلام: لما بعث الله محمدًا رسولًا إلى الخلق، كان الواجب على الخلق تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، ولم يأمرهم حينئذ بالصلوات الخمس، ولا صيام شهر رمضان، ولا حج البيت، ولا حرم عليهم الخمر، والربا، ونحو ذلك، ولا كان أكثر القرآن قد نزل، فمن صدقه حينئذ فيما نزل من القرآن، وأقر بما أمر به من الشهادتين، وتوابع ذلك، كان ذلك الشخص حينئذ مؤمنًا تام الإيمان الذي وجب عليه، وإن كان مثل ذلك الإيمان لو أتى به بعد الهجرة لم يقبل منه، ولو اقتصر عليه كان كافرًا.
قال الإمام أحمد: كان بدء الإيمان ناقصًا، فجعل يزيد حتى كمل؛ ولهذا قال تعالى عام حجة الوداع: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي}، وأيضًا: فبعد نزول القرآن، وإكمال الدين، إذا بلغ الرجل بعض الدين دون بعض، كان عليه أن يصدق ما جاء به الرسول جملة، وما بلغه عنه مفصلًا، وأما ما لم يبلغه، ولم يمكنه معرفته، فذاك إنما عليه أن يعرفه مفصلًا إذا بلغه. اهـ.
وعلى أية حال؛ فالمسألة تحتاج إلى بسط ليس هذا مقامه، وراجع للأهمية الفتوى رقم: 273493 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.