السؤال
أعمل في شركة، في وظيفة تحصيل الديون. وأثناء عملي، عرض علي أحد ملاك الشركات المدينة بمبلغ مليون ريال، مبلغا وقدره: خمسون ألف ريال، كرشوة؛ لتخفيض المبلغ إلى 650000 ريال، علما بأنني لا أملك صلاحية عمل أي تخفيض للمديونيات، إنما أنا وسيط فقط بين المدين، والإدارة المالية.
ومع ذلك، وبفضل الله، رفضت تلك الرشوة، وضممت المبلغ إلى مبلغ السداد، وأصبح العرض ب 700000 ريال، ووافقت الشركة، وتم التصالح.
وفي كل مرة نتقابل مع الشركة صاحبة المديونية، كان يقول لي: لك عندي هدية عندما ننتهي نتيجة لشرفك، وعدم قبولك المبلغ الأول.
وبعد أن انتهى العمل كليا، وجدته قد أعطاني مبلغا من المال هدية؛ فرفضته، فأخذ يقسم أنه ليست له علاقة بأي شيء، وأننا بالفعل أنهينا كل ما يتعلق بالعمل، وهذه هدية شخصية منه لي، مكافأة على عدم أخذي المبلغ الأول، علما بأن العلاقة ستنتهي، ولن تكون هناك أي علاقة بيننا مرة أخرى.
وبناء على ذلك، وافقت، وأخذت المبلغ، وصرفته.
أصبح ضميري يؤنبني، وأحس أني قد أخذت نقودا حراما.
أرجوكم أفتوني وإن كان حراما ماذا أفعل وقد صرفته، ولا تسمح لي إمكانياتي أن رده على دفعة واحدة؟ ولمن أرده؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فبداية ننبه على أن العامل أو الموظف الذي يتقاضى أجرا من جهة عمله، لا يجوز له أن يقبل هدية جاءته بسبب عمله، إلا بإذن الجهة التي يعمل بها. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 8321. وعلى ذلك، فلا يجوز لمن هو في مثل عمل السائل، أن يقبل هدية، أو مكافأة من ملاك الشركات المدينة لشركته، لما في ذلك من مظنة المحاباة.
قال الخطابي في (معالم السنن): هدايا العمال سحت، وليس سبيلها سبيل سائر الهدايا المباحة، وإنما يهدى إليه للمحاباة، وليخفف عن المهدي، ويسوغ له بعض الواجب عليه، وهو خيانة منه، وبخس للحق الواجب عليه استيفاؤه لأهله. اهـ.
وأما في خصوص الحال المسؤول عنه، وأن مالك الشركة الذي بذل للسائل هذا المال، لم يبذله إلا بعد إنهاء معاملته، وأن علاقته بالسائل ستنتهي بذلك، ولن يكون بينهما أي معاملة أخرى، فهذا يقطع احتمال محاباته، وبخس الحقوق بسببه، ولذلك فالظاهر أنها ـ كما قال باذلهاـ هدية شخصية منه للسائل، مكافأة على أمانته. وهذه النية بقرائن الحال معتبرة في تغيير الحكم.
فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية حديث أبي حميد في قصة ابن اللتبية وقوله: هذا لكم، وهذا هدية أهديت لي، هلا جلس في بيت أبيه وأمه، حتى تأتي هديته إن كان صادقا.
وعلق عليه، فقال: الهدية هي عطية يبتغى بها وجه المعطى، وكرامته، فلم ينظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى ظاهر الإعطاء قولا وفعلا، ولكن نظر إلى قصد المعطين، ونياتهم التي تعلم بدلالة الحال، فإن كان الرجل بحيث لو نزع عن تلك الولاية أهدي له تلك الهدية، لم تكن الولاية هي الداعية للناس إلى عطيته، وإلا فالمقصود بالعطية إنما هي ولايته، إما ليكرمهم فيها، أو ليخفف عنهم، أو يقدمهم على غيرهم، أو نحو ذلك مما يقصدون به الانتفاع بولايته، أو نفعه لأجل ولايته. اهـ.
والشاهد منه توجيه النظر إلى قصد المعطين، ونياتهم التي تعلم بدلالة الحال، والضابط الذي ذكره من أنه: "إن كان الرجل بحيث لو نزع عن تلك الولاية، أهدي له تلك الهدية، لم تكن الولاية هي الداعية للناس إلى عطيته".
وهذا هو ما يظهر لنا من حال السائل، فلو افترضنا أنه نزع من وظيفته بعد إنهاء المعاملة المذكورة، وقبل بذل هذا المال له، لكان هذا الرجل يهبه هذا المال مكافأة له، كما قال. فإن كان كذلك، فلا نرى حرجا عليه في قبوله. ويتأكد هذا إن غلب على ظن السائل أن هذا الرجل كان سيهبه هذا المال، بغض النظر عن نتيجة تفاوضه مع الشركة الدائنة له.
وعلى أية حال، يبقى أن الأولى والأورع هو أن يبلغ السائل جهة عمله بقصة هذا المبلغ، فإنهم إن طيبوه له، زال أصل الإشكال. وراجع للفائدة الفتويين: 26366، 121080.
والله أعلم.