الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك أن تهون على نفسك، وتصرف عنك هذه الأفكار، فإنه لا غضاضة، ولا عيب على الرجل أن يكون كريمًا، ويتواضع لزوجه، ويتكرم عليها بما تحب، ولو لم يكن لا زمًا له، ولا واجبًا عليه، وننصحك بالحرص على الزواج، فقد ندب الإسلام إلى الزواج، ورغب فيه أشد الترغيب، وذلك لما في الزواج من المصالح العظيمة، والمقاصد الشريفة، كإعفاف النفس، وتكثير نسل الأمة، قال تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {النور:32}، وقد جاء في البخاري عن عبد الله بن مسعود أنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء.
والنكاح من سنن الرسل، فقد كان لهم أزواج وذرية، كما قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً {الرعد: 38}، قال القرطبي -رحمه الله-: أي جعلناهم بشرًا يقضون ما أحل الله من شهوات الدنيا، وإنما التخصيص من الوحي، ثم قال: وهذه سنة المرسلين، كما نصت عليه هذه الآية، والسنة واردة بمعناها، قال صلى الله عليه وسلم: تزوجوا، فإني مكاثر بكم الأمم. الحديث.... انتهى.
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي اليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء، فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: أنتم قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني.
قال ابن بطال: ندب النبي عليه السلام لأمته النكاح؛ ليكونوا على كمال من أمر دينهم، وصيانة لأنفسهم في غض أبصارهم، وحفظ فروجهم؛ لما يخشى على من زين الله في قلبه حب أعظم الشهوات.
فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الباقي. رواه الطبراني في الأوسط، والحاكم، ومن طريقه للبيهقي، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. وفي رواية البيهقي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا تزوج العبد، فقد استكمل نصف الدين، فليتق الله في النصف الباقي. حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
قال القرطبي في التفسير: من تزوج فقد استكمل نصف الدين، فليتق الله في النصف الثاني ـ ومعنى ذلك أن النكاح يعف عن الزنى، والعفاف أحد الخصلتين اللتين ضمن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما الجنة، فقال: من وقاه الله شر اثنتين ولج الجنة: ما بين لحييه، وما بين رجليه ـ خرجه الموطأ، وغيره. انتهى.
وقال الغزالي في إحياء علوم الدين: وقال صلى الله عليه وسلم: من تزوج فقد أحرز شطر دينه، فليتق الله في الشطر الثاني ـ وهذا أيضاً إشارة إلى أن فضيلته لأجل التحرز من المخالفة تحصنًا من الفساد، فكأن المفسد لدين المرء في الأغلب فرجه، وبطنه، وقد كفى بالتزويج أحدهما. انتهى.
ولذا، ننصحك -أيها السائل- أن تبادر إلى سنة سيد المرسلين، وتقدم على الزواج، وتحتسب فيه النيات الصالحة من تكثير نسل المسلمين، وإعفاف نفسك وزوجك عن الوقوع في المحرمات، خصوصًا في هذه الأزمان التي عم فيها البلاء، وطم.
وأما عن الجنة: فليس فيها ما يقلق، والأزواج فيها مطهرة من الأخلاق السيئة، فلا مسبب للخزي، ولا عناد، ولا خداع ولا مغالبة، ولا تكليف بما لا يطاق، وكل أهلها متزوجون؛ لما رواه مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وما في الجنة عزب. قال ابن منظور في لسان العرب: العزاب هم الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء.
وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حديث في وصف أول زمرة تدخل الجنة:…. ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم.
وقد نص النووي وغيره: على أن هاتين الزوجتين من الإنس، وليستا من الحور، فهما امرأتان استحقتا دخول الجنة بفضل الله، ثم بما قدمتا من عمل صالح. اهـ.
وقد بينا في بعض الفتاوى السابقة أن أهل الجنة لهم فيها ما تشتهي أنفسهم، وما لا يريد الله عز وجل أن يكون لهم، فإن نفوسهم لا تشتهيه، بل يرضيهم الله عز وجل بما يعطيهم بحيث لا يتمنون غيره، ولمزيد فائدة راجع الفتوى رقم: 261865.
والله أعلم.