السؤال
أقلتم: إن الدخول في الإسلام يكون على ثلاث مراحل: عصمة الدم، ثم ثبوت عقد الإسلام، فاستمرار العقد؟ وهل يمكنكم التفصيل؟ ولماذا قال ابن حجر، والشوكاني: إنه يختبر من نطق الشهادتين -إن كانا قد قالاه-؟ وهل يشترط التلفظ بالشهادتين بالعربية متى تعلم ذلك؟ أم إنه لا يلزمه الإتيان بها طالما أتى بقرينة قبوله للإسلام؟ وما هي القرائن في أهل البلد الأجنبي؟ وهل هي الصلاة، والحجاب مثلًا؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن ما ذكرته في قولك: أقلتم إن الدخول في الإسلام يكون على ثلاث مراحل: عصمة الدم، ثم ثبوت عقد الإسلام، فاستمرار العقد ـ لم نقف على مثله في فتاوى موقعنا.
وأما عن كلام ابن حجر: فقد ذكره في فتح الباري في شرح حديث أبي هريرة، قال: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم، واستخلف أبو بكر، وكفر من كفر من العرب، قال عمر: يا أبا بكر، كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، فقد عصم مني ماله، ونفسه، إلا بحقه، وحسابه على الله ـ قال ابن حجر: وفيه منع قتل من قال: لا إله إلا الله، ولو لم يزد عليها، وهو كذلك، لكن هل يصير بمجرد ذلك مسلمًا؟ الراجح لا، بل يجب الكف عن قتله حتى يختبر، فإن شهد بالرسالة، والتزم أحكام الإسلام حكم بإسلامه، وإلى ذلك الإشارة بالاستثناء بقوله: إلا بحق الإسلام.
قال البغوي: الكافر إذا كان وثنيًا، أو ثنويًا لا يقر بالوحدانية، فإذا قال: لا إله إلا الله حكم بإسلامه، ثم يجبر على قبول جميع أحكام الإسلام، ويبرأ من كل دين خالف دين الإسلام، وأما من كان مقرا بالوحدانية منكرًا للنبوة، فإنه لا يحكم بإسلامه حتى يقول: محمد رسول الله، فإن كان يعتقد أن الرسالة المحمدية إلى العرب خاصة، فلا بد أن يقول: إلى جميع الخلق، فإن كان كفر بجحود واجب، أو استباحة محرم، فيحتاج أن يرجع عما اعتقده، ومقتضى قوله يجبر أنه إذا لم يلتزم تجري عليه أحكام المرتد، وبه صرح القفال، واستدل بحديث الباب، فادعى أنه لم يرد في خبر من الأخبار أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، أو أني رسول الله، كذا قال، وهي غفلة عظيمة، فالحديث في صحيحي البخاري ومسلم في كتاب الإيمان من كل منهما من رواية ابن عمر بلفظ: حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله ـ ويحتمل أن يكون المراد بقوله: لا إله إلا الله هنا التلفظ بالشهادتين؛ لكونها صارت علمًا على ذلك، ويؤيده ورودهما صريحًا في الطرق الأخرى. اهـ.
وأما الشوكاني: ففي كتابه نيل الأوطار نقل كلام ابن حجر، وسكت عنه، ولم يزد عليه، وقضية الاختبار دليل ابن حجر فيها هو حديث: إلا بحق الإسلام ـ ومحصل كلامه أن مجرد النطق بلا إله إلا الله مع عدم الشهادة بالرسالة، والتزام أحكام الإسلام لا تكفي، لكن كلام ابن حجر ليس فيه أن كل أحد يتوقف في حال من يظهر الإسلام حتى يمتحنه، وإنما كلامه عمن قال: لا إله إلا الله فحسب، واقتصر على ذلك، وعمومًا، فقد اختلف العلماء هل تكفي الشهادة وحدها في الدخول في الإسلام أم لا بد من الشهادتين ـ كما أشار إليه ابن حجر في كلامه السابق ـ قال النووي في شرح مسلم: واتفق أهل السنة من المحدثين، والفقهاء، والمتكلمين على أن المؤمن الذي يحكم بأنه من أهل القبلة، ولا يخلد في النار لا يكون إلا من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقادًا جازمًا خاليًا من الشكوك، ونطق بالشهادتين، فإن اقتصر على إحداهما لم يكن من أهل القبلة أصلًا، إلا إذا عجز عن النطق لخلل في لسانه، أو لعدم التمكن منه لمعاجلة المنية، أو لغير ذلك، فإنه يكون مؤمنًا، أما إذا أتى بالشهادتين، فلا يشترط معهما أن يقول: وأنا بريء من كل دين خالف الإسلام، إلا إذا كان من الكفار الذين يعتقدون اختصاص رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم إلى العرب، فإنه لا يحكم بإسلامه إلا بأن يتبرأ، ومن أصحابنا -أصحاب الشافعي رحمه الله- من شرط أن يتبرأ مطلقًا، وليس بشيء، أما إذا اقتصر على قوله: لا إله إلا الله، ولم يقل: محمد رسول الله، فالمشهور من مذهبنا، ومذاهب العلماء أنه لا يكون مسلمًا، ومن أصحابنا من قال: يكون مسلمًا، ويطالب بالشهادة الأخرى، فإن أبى جعل مرتدًا، ويحتج لهذا القول بقوله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا ذلك عصموا مني دماءهم، وأموالهم ـ وهذا محمول عند الجماهير على قول الشهادتين، واستغنى بذكر إحداهما عن الأخرى لارتباطهما، وشهرتهما ـ والله أعلم ـ أما إذا أقر بوجوب الصلاة، أو الصوم، أو غيرهما من أركان الإسلام، وهو على خلاف ملته التي كان عليها، فهل يجعل بذلك مسلما؟ فيه وجهان لأصحابنا، فمن جعله مسلمًا قال: كل ما يكفر المسلم بإنكاره يصير الكافر بالإقرار به مسلمًا. اهـ.
وأما عن نطق الشهادتين بغير العربية: فاعلم أن الصحيح أنه لا يشترط في نطق الشهادتين أن تكون باللسان العربي، ولو كان يحسن العربية، جاء في شرح النووي لصحيح مسلم: أما إذا أقر بالشهادتين بالعجمية ـ وهو يحسن العربية ـ فهل يجعل بذلك مسلمًا؟ فيه وجهان لأصحابنا: الصحيح منهما: أنه يصير مسلمًا، لوجود الإقرار, وهذا الوجه هو الحق, ولا يظهر للآخر وجه. اهـ.
وفي الحاوي للماوردي الشافعي: وَالْمَقْصُودُ بِالشَّهَادَتَيْنِ: الْإِخْبَارُ عَنِ التَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَسْتَوِي فِيهِ لَفْظُ الْفَارِسِيَّةِ، وَالْعَرَبِيَّةِ. اهـ.
وأما عما أسميته بقرائن الإسلام في قولك: أتى بقرينة قبوله للإسلام؟ وما هي القرائن في أهل البلد الأجنبي؟ وهل هي الصلاة، والحجاب مثلًا؟ فقد ذكر العلماء أن مما يحكم به بإسلام الشخص فعله ما يدل على الإسلام، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ذكر الفقهاء أن هناك طرقًا ثلاثة يحكم بها على كون الشخص مسلمًا، وهي: النص، والتبعية، والدلالة، أما النص: فهو أن يأتي بالشهادتين صريحًا، وأما التبعية: فهي أن يأخذ التابع حكم المتبوع في الإسلام، كما يتبع ابن الكافر الصغير أباه إذا أسلم مثلًا، وأما طريق الدلالة: فهي سلوك طريق الفعل للدخول في الإسلام... قال ابن نجيم: الأصل أن الكافر متى فعل عبادة، فإن كانت موجودة في سائر الأديان لا يكون بها مسلمًا، ومتى فعل ما اختص بشرعنا، ولو من الوسائل، كالتيمم، وكذلك ما كان من المقاصد، أو من الشعائر، كالصلاة بجماعة، والحج الكامل، والأذان في المسجد، وقراءة القرآن، يكون به مسلمًا. اهـ.
فالصلاة عند كثير من العلماء مما يحكم بها بإسلام المرء إن لم يُعلم نطقه بالشهادتين ـ على خلاف بينهم هل لا بد من صلاة الجماعة أم تكفي الصلاة منفردًا، وهل هذا في دار الحرب فقط، أم في دار الإسلام كذلك ـ وراجع في هذا الفتويين رقم: 201142، والفتوى رقم: 174801.
وأما الحجاب: فلم نقف على من نص على كونه مما يحكم بإسلام المرء بفعله.
والله أعلم.