السؤال
توفي والدي، وكان له ميراث في بيت أبيه الذي توفي قبله، وطالبنا به من أهل أبينا؛ فوعدونا في البداية بأن يعطونا حقنا حينما يأخذون حقهم من ميراث أبينا، وقد أخذوه، وبعدها طالبنا بحقنا؛ فرفضوا، وطردونا، والقطيعة مستمرة بيننا.
فهل يجوز لنا هجرهم، وعدم مخالطتهم، وعدم الكلام معهم حيث إنهم أكلوا حقنا، وهي أموال يتامى، كما أننا واقع علينا أذى مادي، ومعنوي كبير منهم، هذا بالإضافة إلى أنهم آذونا قبل ذلك؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 117431، أن منع أحد من الورثة نصيبه في التركة من غير رضاه، ظلم، وإثم مبين.
والواجب أن تبذلوا لهم النصح، وتبينوا لهم خطورة الأمر، وأنه يجب عليهم أن يردوا الحقوق إلى أصحابها، ولا بأس بأن يوسط في الأمر بعض من لهم وجاهة عندهم، فإن تابوا وردوا الحق لأصحابه ـ فالحمد لله ـ وإلا فلا حرج في هجرهم إن رجي أن يكون ذلك رادعاً لهم، ولا يعتبر في هذا قطيعة للرحم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فإن كانت المصلحة في ذلك (أي في هجر العاصي) راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر، وخفيته، كان مشروعاً، وإن كان لا المهجور، ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته، لم يشرع، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوماً، ويهجر آخرين. انتهى. وانظر تفصيلا أكثر في الفتوى رقم: 106731.
وإن كان الأمر -كما ذكرت- أن في مخالطتهم أذى عليكم، فلا حرج عليكم في هجرهم هجرا جميلا.
كما قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصًا على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه؛ فرب هجر جميل، خير من مخالطة مؤذية. انتهى.
وقال الطاهر ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير: الهجر الجميل هو: الذي يقتصر صاحبه على حقيقة الهجر، وهو ترك المخالطة، فلا يقرنها بجفاء آخر، أو أذى. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة هاتين الفتويين: 49470، 208678.
والله أعلم.