السؤال
ما حكم من يسأل هذا السؤال: هل يستطع ربك أن يفني نفسه؟ مع العلم أن السائل معلم للتلاميذ أراد امتحان معرفتهم بالله بالسؤال، فأجاب أحدهم بأن الله على كل شيء قدير إذا أراد أن يفني نفسه فعل، فكفره المعلم بذلك بدعوى أنه نسب الفناء لله، وهذا كفر.
وجزاكم اله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن المعروف بداهة أن القدرة إنما تتعلق بالممكن لا بالمحال، فالله تعالى على كل شيء قدير، ولكن المحال ليس بشيء أصلا، وبالتالي فلا تتعلق به قدرة الله وإرادته، وقد سبق لنا إيضاح ذلك في الفتويين رقم: 44982، ورقم: 111144.
ومسألة فناء الله تعالى من هذا المحال الممتنع لذاته، فلا تتعلق به الإرادة أو القدرة، وبالتالي لا يتعارض هذا مع كون الله عز وجل على كل شيء قدير، لأن ذلك ليس بشيء أصلا، وبهذا يعرف خطأ جواب التلميذ المذكور في قوله: إذا أراد أن يفني نفسه فعل! فإن فناء الله تعالى محال ممتنع لذاته، فلا تتعلق به الإرادة أو القدرة، قال الشيخ الغنيمان في شرح العقيدة الواسطية: قوله تعالى: وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {التغابن:1} كل: كلمة تدل على العموم، فلا يجوز أن يخرج منها شيء، وهي بحسب ما تضاف إليه، فإذا جاءت في مثل هذه الآية فهي عامة مطلقة لا يجوز أن يخرج منها شيء، فقدرة الله جل وعلا غير محدودة، ولا يجوز أن نقيدها بما يقوله أهل الشك والريب الذين تأثروا بالمنطق وبالكلام الفاسد الذي أورث الشكوك... فمثلاً يقولون: خرج من ذلك أمور، منها: أنه لا يقدر أن يخلق مثل نفسه، ومنها أنه لا يقدر أن يفني نفسه، وما أشبه ذلك من الخزعبلات، وهذه تقديرات ووساوس شيطانية لا حقيقة لها في الواقع، لأن هذا من المستحيل.. اهـ.
وقال في شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري: الله تعالى يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لا مانع له، ولا يقدر غيره أن يمنعه مراده، فهو قادر على كل مقدور، وكل ممكن يكون مقدوراً له، فما من ممكن في نفسه إلا والله قادر عليه، وأما الممتنع لنفسه، فإنه ليس بشيء عند جميع العقلاء... والممتنع هو: ما لا يمكن وجوده في خارج الذهن، مثل كون الشيء موجوداً معدوماً، ومن ذلك قول بعض الملاحدة: هل يقدر الله أن يخلق مثل نفسه؟ فهذا ممتنع لنفسه، وإنما يورده جاهل لا يتصور ما يقول، أو ملبس معاند يريد إفساد عقائد عوام المؤمنين، أو التشكيك في قدرة الله تعالى. اهـ.
وفي هذا إشارة لحكم طرح مثل هذا السؤال، فإنه لا يصدر إلا من جاهل لا يتصور ما يقول، أو ملبس معاند، كما ذكر الشيخ، وأما طرحه من باب التعليم: فلا نرى فيه حرجا، لأنه سيقترن بتعليمهم وتفهيمهم، ومع ذلك نرى أن الأولى أن يُذكر ذلك بصيغة الاستفهام، فيقال: هل يصح السؤال عن كذا وكذا؟ أو هل يصح أن يقال كذا وكذا؟
وأخيرا ننبه على أن المعلم المذكور في السؤال قد أخطأ هو الآخر في الحكم على التلميذ بالكفر، فالمقام هنا مقام تعليم لا مقام تكفير، ثم إن الحكم بالكفر على معين مع وجود الشبهة وعدم إقامة الحجة: خطأ فادح! وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 266185.
والله أعلم.