السؤال
أرجو أن تجيبوا عن أسئلتي غدًا إن استطعتم فأنا -والحمد لله- في أسوء حالاتي, فأنا في شعور دائم بالكفر، ولا يوجد عالم معروف أظن أني أستطيع أن أتوصل إليه، لأحكي له ويتحملني، وإن تحملني فلا وقت لديه لي, لذا أرجو أن تحاولوا فقط قدر الإمكان أن تجيبوا عن أسئلتي سريعًا، فما أنا فيه من فراغ يجعلني أنتقل من مأزق لآخر.
وآخر شيء قرأته: رسالة لأحدهم يتمنى أن تحدث نكسة كنكسة 67 في مصر نكاية في الظالم الموجود، ومؤيديه، فيعتبروا، وكأني في نفسي قلت: يا ليت -عياذا بالله-، ثم بدأت بالتنهد، وفي منتصف تنهدي تذكرت أن هذا وإن حكم على بعض مؤيديه بالكفر إن دعموا له فيه كفر عن بينة، لكن بلدنا مليء بالمسلمين. فكأني -عياذا بالله- أتمنى تغلب الصهاينة على المسلمين، ولا أعلم إن كانت هذه ردة أم لا؟
وأعلم أن حديث النفس غير مؤاخذ به ما لم يتكلم أو يفعل. لكن ألا يعد هذا التنهد فعلا معبرا عن الحديث. أنا أصبحت أشعر أني لا أقوى على التفكير, ولا وزن الأمور.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يعافيك من الوسوسة, وأن يعافي مبتلى المسلمين، وننصحك بأن تجاهد نفسك في التخلص من الوسواس، فإنه داء عضال إذا تمكن من العبد أوقعه في شرور عظيمة، واعلم أن أنجع طريق لعلاجه هو: الإعراضُ عن الوساوس جملة، والكف عن الاسترسال معها، وسؤال الله العافية منها، والتعوذ بالله من شرها، وثق أنه لم يحصل منك كفر؛ فإن من ثبت إسلامه بيقين، فلا يزول إلا بيقين، لا بوساوس ونحوها، وأما مجرد حديث النفس: فمعفو عنه ما لم يعمل المرء به أو يتكلم؛ قال الإمام النووي في كتابه الأذكار: فأما الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر، ويستمر عليه صاحبه, فمعفو عنه باتفاق العلماء، لأنه لا اختيار له في وقوعه، ولا طريق له إلى الانفكاك عنه، وهذا هو المراد بما ثبت في الصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل. رواه البخاري, ومسلم. اهـ
وأما التنهيد: فلا يعتبر فعلًا معبرًا عن حبِّك لانتصار الكفار على المسلمين, بل قد يكون من ندمك على الخاطرة التي ذكرت، وما دام الشيء محتملًا, فلا يحصل به الكفر؛ قال الزرقاني في مناهل العرفان: ولقد قرَّر علـماؤنا أن الكلـمة إذا احتملت الكفر من تسعة وتسعين وجهاً, ثم احتملت الإيمان من وجه واحد، حُملت علـى أحسن الـمـحامل، وهو الإيمان. وهذا موضوع مفروغٌ منه, ومن التدلـيل علـيه. اهـ.
وقد ذكرنا في عدة فتاوى: أن الواجب على من ابتلي بالوساوس أن يعرض عنها، وأن يشغل نفسه بما ينفعه في أمر دينه ودنياه, فيشتغل بما تيسر له من التعلم، والدعوة إلى الله تعالى, والخدمات الاجتماعية؛ لئلا يفسح المجال للشيطان، وأن ما يخطر على بال الإنسان، وتحدثه به نفسه، وتستعظمه خوفًا من النطق به يعتبر دليلًا لإيمانه؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء أناس من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: "وقد وجدتموه؟" قالوا: نعم، قال: "ذاك صريح الإيمان" رواه مسلم. لذا فإنا ننصح السائل بأن يكثر من ذكر الله تعالى، وأن يشغل نفسه بالتفكر فيما يفيده في دنياه وأخراه، ولا يسترسل في أحاديث النفس وخواطرها، وإن وجد شيئًا منها يتعلق بعقيدته فليَلْه عنه، وليقل: آمنت بالله. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلق الله، فمن خلق الله؟ فمن وجد شيئًا من ذلك فليقل: آمنت بالله" رواه مسلم.
وقد قال ابن حجر الهيتمي حينما سئل عن داء الوسوسة: هل له دواء؟ فأجاب بقوله: له دواء نافع، وهو: الإعراض عنها جملة كافية، وإن كان في النفس من التردد ما كان، فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل, كما جرب ذلك الموفقون، وأما من أصغى إليها, وعمل بقضيتها, فإنها لا تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين, بل وأقبح منهم, كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها, وأصغوا إليها. إلى أن قال: وجاء في الصحيحين ما يؤيد ما ذكرته، وهو: أن من ابتلي بالوسوسة فليستعذ بالله, ولينته. انتهى.
والله أعلم.