السؤال
أنا شابة أصوم بعض الأيام كالاثنين والخميس.. ويشق علي الصيام، لأنني أداوم في الصباح في معهد لحفظ القرآن، فيضعف صوتي ويقل نشاطي وتركيزي، وإذا عدت إلى المنزل تبدأ والدتي تعرض علي الطعام وتترجاني أن آكل، وتحس أنني سوف يغمى علي، وكل صباح تسألني هل أنا صائمة أم لا؟ وتقول بأنها لا ترضى مني بالصيام وأنه يضيق صدرها منه، فخشيت أن أكون قد كسرت خاطرها، فبماذا تنصحونني؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فما دام الصوم غير واجب فينبغي أن تطيعي أمك في تركه، لا سيما وأن لها غرضا صحيحا في منعك من الصيام وهو الشفقة عليك بسبب ما يصيبك من الضعف أثناء الصيام، وقد ذكرنا في الفتوى: 76303، أن من ضوابط وجوب طاعة الوالدين في ترك المستحب أن يكون لهما غرض صحيح من الأمر بترك المندوب، فانظري تلك الفتوى.
كما أن طاعة الوالدين واجبة في غير معصية، والقاعدة التي ذكرها أهل العلم أنه إذا تعارض واجب مع مستحب، قدم الواجب في الأصل، قال صاحب الفروق: اعْلَمْ أَنَّ الْقَاعِدَةَ وَالْغَالِبَ أَنَّ الْوَاجِبَ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ الْمَنْدُوبِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى: مَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ـ الْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ قَدْ صَرَّحَ الْحَدِيثُ بِأَنَّ الْوَاجِبَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ، وَمَتَى تَعَارَضَ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ قُدِّمَ الْوَاجِبُ عَلَى الْمَنْدُوبِ. اهــ
وفي فتاوى اللجنة الدائمة: ما حكم صيام النفل بدون رضا الوالدين؟ فأجابت بقولها: طاعة الوالدين واجبة، وصيام النافلة سنة، فإذا أمرك والداك بترك الصيام النفل وجب عليك طاعتهما. اهـ.
وسئل الشيخ ابن باز ـ رحمه الله تعالى: عمن تمنعه والدته من صيام التطوع، وتقول له: لقد صمت كثيرًا، وفيه الكفاية، فهل أصوم، أم أترك صيام التطوع، مع العلم بأن جسمي ضعيف ولا أستطيع؟ فأجاب بقوله: عليك طاعة والدتك، لأنها بارة بك محسنة فيك، وحريصة عليك، فعليك السمع والطاعة لما تقول لك الوالدة في صوم النافلة. اهـ.
وانظري الفتوى: 62672 وهي بعنوان: طاعة الأم تقدم على صيام النفل.
وإذا تركت صيام النفل طاعة لأمك فإنك في هذه الحالة يرجى أن تكوني بمثابة من أراد فعل طاعة ولم يتمكن من فعلها فإنها تكتب له كاملة، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحهما، واللفظ لمسلم، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، قَالَ: إِنّ الله كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسّيّئَاتِ، ثُمّ بَيّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا الله عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً... الحديث.
روى أحمد عن خريم بن فاتك، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن هم بحسنة حتى يشعرها قلبه، ويعلم الله عز وجل ذلك منه كتبت له حسنة... الحديث، وحسنه الأرناؤوط.
مع العلم أن الصوم إذا كان يشق عليك ـ كما ذكرت ـ ويضعفك عن عبادات أخرى كقراءة القرآن فالفطر قد يكون حينئذ أفضل لك من الصيام ولو لم تأمر به الأم، فقد روى ابن أبي شيبة في المصنف عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ يعني ابن مسعود: إِنَّكَ تُقِلُّ الصَّوْمَ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمْنَعَنِي مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الصَّوْم. اهـ.
والله أعلم.