السؤال
عندي وسواس شديد جدًّا في العقيدة، لدرجة أني في داخلي أصدقه، وأصبحت مسلمة باللسان فقط، وأتمنى أن أموت، وعندي شك - أعوذ بالله - في وجود الله، والنبي صلى الله عليه وسلم، ولكي أثبت لنفسي وجود الله، أثبت أولًا وجود النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو من أخبرنا بوجوده، وذلك عن طريق البحث في النت عن مقتنيات النبي صلى الله عليه وسلم من سيفه، وجلبابه، وكل شيء، وعندما أفشل في إقناع نفسي أتذكر أن دعائي يستجاب، ولكن تأتيني فكرة أنه ما يدريني أن الله هو من استجاب دعائي، فالنصارى أيضًا يستجاب دعاؤهم، وهم يدعون غير الله، ثم أحاول أن أقنع نفسي عن طريق الإعجاز العلمي؛ حتى أثبت أن القرآن كلام الله، ولكن شيئًا بداخلي يقول: ما يدريك أن هذه الأحداث الموجودة في القرآن لم يأخذها القرآن من كتاب آخر، كحادثة غرق فرعون، وغيرها، وبعد أن أصل لمرحلة اليأس في إقناع نفسي، أقول لنفسي: أنا مسلمة مثل المشاهير من المسلمين، خاصة أصحاب العقول الكبيرة منهم، فبالتأكيد عقلهم الناضج أوصلهم إلى وجود الله، وأن الإسلام حق، وأنا أشعر بالضيق وأنا أكتب ذلك، لكن هدفي هو التخلص من ذلك، وأن أكون مسلمة عن اقتناع مائة بالمائة، وليس باللسان، فأرجو منكم أن تساعدوني.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الشعور بالضيق الذي يصل إلى تمني الموت بسبب هذه الخواطر السيئة، يدل على أن ما تشتكين منه إنما هو مجرد وسوسة.
والوساوس إذا كرهها العبد، وخافها، ونفر منها، دل ذلك على إيمانه، فقد جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم.
قال النووي: معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا، وشدة الخوف منه، ومن النطق به، فضلًا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالًا محققًا، وانتفت عنه الريبة والشكوك. اهـ.
وراجعي في ذلك الفتويين: 7950، 12300.
وهنا ننبه على أن الإنسان قد يطرأ في نفسه نوع وسوسة يظنه شكًّا، ولكنه ليس ذلك، بل يكون في داخله مصدقًا مؤمنًا، وعلامة ذلك كراهته لهذه الخواطر، وخوفه، ونفوره منها، كما سبق بيانه، وفي هذه الحال لا تقع المؤاخذة بها.
قال النووي في الأذكار: الخواطر، وحديث النفس إذا لم يستقر، ويستمر عليه صاحبه، فمعفو عنه باتفاق العلماء؛ لأنه لا اختيار له في وقوعه، ولا طريق له إلى الانفكاك عنه، وهذا هو المراد بما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تتكلم به، أو تعمل. قال العلماء: المراد به الخواطر التي لا تستقر، قالوا: وسواء كان ذلك الخاطر غيبة، أو كفرًا، أو غيره. اهـ.
فاجتهدي في كف هذه الخواطر، ولا تسترسلي مع هذه الوساوس، واشغلي نفسك بما يصلحها من العلم النافع، والعمل الصالح.
وأما ما ذكرته من مسألة الإعجاز، فإنه إن كان محتملًا في قضية، كغرق فرعون، فليس هو كذلك في غيرها، كتكوين السحب، وإنزال المطر، ومراحل تطور الأجنة، وغير ذلك من مسائل الإعجاز العلمي التي لم يكن لأحد بها علم أصلًا، بل كان اعتقاد العلماء قديمًا على خلاف الواقع الذي دل عليه القرآن، ويمكن الرجوع إلى رسالة الماجستير للباحث أشرف عماشة: الكون والرؤية العلمية في القرآن الكريم والأديان السماوية الأخرى.
وراجعي في بقية الجواب الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 111062، 52270، 136072.
والله أعلم.