السؤال
أرغب في الزواج من فتاة ذات نسب ودين، ووافق أبي أن أذهب للتعرف على أهلها، ووافق في أول الأمر، وبعد أن تمت موافقة والدها رفض أبي زواجي منها، بحجة أنه لا يعرف أهلها، ولا يريد التعرف إليهم، في حين أنه قد تعرف إليها أعمامي، وأخوالي، وزكوها لوالدي، ووافق عمي، وخالي على الذهاب معي للعقد دون والدي، في حين يحاول والدي إجباري على تركها، ويصفني بأني عاق له، وأني لن أسعد في الدارين، فهل لي أن أتزوج منها، وأذهب لعقد الزواج عليها دون رضى والدي؟ حيث إنه ماطلني عامًا ونصف العام، والفتاة معلقة كل هذه الفترة، أفتوني - جزاكم الله خيرًا -.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المفتى به عندنا وجوب طاعة الوالدين، إن منعا الابن من الزواج بفتاة معينة لسبب معتبر، إلا إن خشي الابن الوقوع في محرم بسبب تعلقه بتلك الفتاة، جاء في الآداب الشرعية لابن مفلح:
«وَقَالَ (يعني الإمام أحمد) فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ إنْ كَانَ الرَّجُلُ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ وَوَالِدَاهُ يَمْنَعَانِهِ مِنْ التَّزَوُّجِ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ. وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: لِي جَارِيَةٌ وَأُمِّي تَسْأَلُنِي أَنْ أَبِيعَهَا قَالَ: تَتَخَوَّفُ أَنْ تُتْبِعَهَا نَفْسَك قَالَ: نَعَمْ قَالَ: لَا تَبِعْهَا قَالَ: إنَّهَا تَقُولُ لَا أَرْضَى عَنْك أَوْ تَبِيعَهَا قَالَ إنْ خِفْت عَلَى نَفْسِك فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِأَنَّهُ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ يَبْقَى إمْسَاكُهَا وَاجِبًا أَوْ لِأَنَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا. وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ يُطيعُهَا فِي تَرْكِ التَّزَوُّجِ وَفِي بَيْعِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ حِينَئِذٍ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ لَا دِينًا وَلَا دُنْيَا» انتهى.
وقال العلوي الشنقيطي في نوازله:
لابن هلال طوع والد وجب * إن منع ابنه نكاح من خطب
ما لم يخف عصيانه للمولى * بها فطاعة الإله أولى
وسئل ابن باز: ما حكم الزواج بغير موافقة الوالد؟
فأجاب: المشروع للمؤمن أن يتحرى موافقة الوالد؛ لأن بره من الواجبات، وكذلك الوالدة، يشاورهم يجتهد لأنه والد، والوالد قد يبدو له ما لا يدركه الولد، والمرأة بدلها امرأة، النساء كثير، فإذا وجد امرأة صالحة طيبة، فلا مانع من أن يستشير الوالد، ويكثر عليه في ذلك، ويطلب من الإخوان الطيبين، أن يشيروا عليه حتى يوافق؛ لأن المرأة الصالحة لا ينبغي ردها، ولا ينبغي تركها، ولا ينبغي للوالد أن يمنعه من ذلك، ولا حرج في ذلك من الزواج بها، ولو لم يرض الوالد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الطاعة في المعروف» ولكون الزوجة الصالحة من المعروف، لكن مهما استطاع أن يرضيه، أو يلتمس امرأة صالحة غيرها حتى لا تفوت الفرصة، هذا هو الأولى جمعًا بين المصلحتين، بين بره وبين تحصيل المرأة الصالحة، مهما أمكن فإن لم يتيسر ذلك، وخاف فواتها، وهي امرأة صالحة، مشهود لها بالخير، فلا حرج عليه - إن شاء الله - بالزواج بها، وإن لم يرض والده، وفي إمكان والده بعد ذلك أن يرضى، والغالب أن الوالد الطيب لا يكره المرأة الصالحة، فإذا كرهها فلا بد أن هناك شيئًا أوجب الكراهة، فلا ينبغي للولد أن يعجل، بل ينبغي له أن يتريث، ويعرف الأسباب، ويستعين على رضا والده، إذا كان ليس هناك أسباب تمنع من زواجها، يستعين عليه بأعمامه، وإخوانه، وجيرانه الطيبين حتى يرضى - إن شاء الله - لا يعجل في الزواج بغير رضاه، مهما أمكن إلا بعد الطمأنينة إلى أنه ليس هناك ما يمنع الزواج، وأنه تعنت من أبيه .اهـ.
فننصحك بالسعي في إقناع والدك، والتلطف معه في ذلك، مع اللجوء إلى الله بالدعاء: أن يشرح صدره لزواجك بتلك الفتاة، إن كانت خيرًا لك، فإن أصر على رأيه، فاترك تلك الفتاة طاعة له وبرًّا.
واعلم أنك إن فعلت ذلك ابتغاء مرضاة الله: فيسعوضك الله خيرًا من تلك الفتاة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لن تدع شيئًا اتقاء الله عز وجل، إلا أعطاك الله خيرًا منه. أخرجه أحمد، وصححه الألباني.
والنساء كثير، والعبد لا يدري أين يقع له الخير منهن، كما قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}.
وانظر للفائدة الفتوى: 93194.
والله أعلم.