الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مات عن ابنين وأربع بنات

السؤال

الرجاء حساب الميراث بناء على المعلومات التالية:
-للميت ورثة من الرجال:
(ابن) العدد 2
-للميت ورثة من النساء:
(بنت) العدد 4
- إضافات أخرى: عقب وفاة الأم اتفق الورثة (ذكران وأربع إناث) على تقسيم الميراث فيما بينهم. هذا الميراث عبارة عن منزل من ثلاثة طوابق يسكنه الابنان، وهما متزوجان ولكل منهما أبناء. وتم التوافق على أن يتحمل كل ابن الوفاء بنصيب شقيقتين من الميراث، ويدفع لها نقدا ما يساوي قيمة نصيبها في هذا المنزل. وبالفعل حصلت وريثتان من الأربعة على نصيبهما، بينما كانت الثالثة تعاني ظروفا مرضية أفضت بها إلى الوفاة، وما زال نصيبها معلقا لظروف الوفاة. أما الشقيقة الرابعة الكبرى فقد امتنعت عن استلام نصيبها؛ نظرا لما بدا من وجود تدابير وترتيبات أخرى خاصة بها حيث كانت ترغب في الانتقال إلى ذلك المنزل والإقامة فيه (في الطابق الأرضي) وتحتفظ بنصيبها في أرض المنزل لتحصل عليه هي أو أبناؤها فيما بعد عند هدم البيت ولو بعد سنين طويلة، كما صرحت بذلك. إلا أن الشقيق الأكبر رفض ذلك مستندا إلى أن أولاده أحق من أولادها، ولهم في ذلك حق الشفعة، إضافة إلى الاتفاق الذي تم مع شقيقاتها الأخريات وبحضورها ومباركتها هذا الاتفاق، ومنهما اثنتان حصلتا بالفعل على نصيبيهما. وعرض عليها الشقيق الأكبر إعطاءها نصيبها، إلا أنها رفضت. تجمد الوضع عند هذه النقطة، وعقب فترة من الزمن ارتفع سعر الأرض في هذه المنطقة.
هل يحق لتلك الشقيقة الكبرى الحصول على قيمة نصيبها في المنزل بسعر قيمة الأرض ساعة الأداء سواء في هذه الأيام بعد أن ارتفعت قيمة الأرض أو فيما بعد؟ أم إن ذلك لا يحق لها على أساس أن نصيبها محدد، ومرتبط بالقيمة التي تم الاتفاق عليها عند توزيع الميراث، وبنفس القيمة والحصة المساوية لنصيب الشقيقتين اللتين تسلمتا نصيبهما بالفعل منذ فترة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان الورثة محصورين فيمن ذكر، فإن التركة توزع بين الأبناء والبنات للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لقوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ {النساء:11}.

وتقسم التركة على ثمانية أسهم لكل ابن سهمان، ولكل بنت سهم واحد.

ثم إن قول السائل: وتم التوافق على أن يتحمل كل ابن الوفاء بنصيب شقيقتين من الميراث... إن كان القصد أن جميع الورثة قد اتفقوا على ما ذكر، وكانت البنت المذكورة رشيدة، فهذه القسمة تسمى قسمة مراضاة، وهي لازمة في هذه الحالة مثل البيع ولا تنقض.

جاء في فتح العلي المالك لمحمد عليش المالكي: لأن القسمة من العقود اللازمة كالبيع. ففي المجموع وشرحِي عليه :وهي أي القسمة بأنواعها الثلاثة: المهايأة، والمراضاة، والقرعة لازمة إذا وقعت بوجه صحيح، فليس لأحدهما نقضها والرجوع عنها؛ لأنها كبيع من البيوع. انتهى.

وفي شرح الدرير ممزوجا بمختصر خليل المالكي:قوله: (كالمراضاة) فينظر فيها عند دعوى أحدهما الجور أو الغلط (إن أدخلا) فيها (مقوما) يقوم لهما السلع أو الحصص؛ لأنها حينئذ تشبه القرعة بخلاف ما لو وقعت بلا تعديل وتقويم فلا تنقض. ولو ظهر التفاحش، ولا يجاب له من طلبه لدخولهم على الرضا. انتهى.

وجاء في المغني لابن قدامة الحنبلي: فأما إن تراضيا على أن يأخذ كل واحد منهما واحدا من السهمين بغير قرعة، فإنه يجوز؛ لأن الحق لهما، ولا يخرج عنهما، وكذلك لو خير أحدهما صاحبه فاختار، ويلزم هاهنا بالتراضي وتفرقهما، كما يلزم البيع. انتهى.

وبناء على ما سبق فإن كان جميع الورثة قد اتفقوا على قسمة المنزل على وجه التراضي، فهذه القسمة نافذة كالبيع. وبالتالي فإن الأخت التي رفضت استلام نصيبها بحجة رغبتها في السكنى في المنزل، واستحقاق جزء من أرضه لا يلتفت إلى قولها, وليس لها إلا قيمة نصيبها الذي رضيت به وقت القسمة مثل باقي شقيقاتها؛ لأن هذه القسمة نافذة ولا تنقض كما ذكرنا.

وأما إن لم تكن البنت قد رضيت بهذه القسمة، أو لم تكن رشيدة، فإن حقها في حصتها من الأرض ومن جميع الترك يبقى ثابتا، ولا يحق لأحد جبرها على التنازل عنه، ولا يتغير ذلك بارتفاع قيمة الأرض.

ثم إننا ننبه السائل إلى أن أمر التركات أمر خطير جدا وشائك للغاية، وبالتالي، فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقا لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة للمحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقا لمصالح الأحياء والأموات.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني