الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن قصة احتضار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووفاته.. كل ذلك مروي في كتب السيرة ودواوين السنة.
وملخص ذلك أنه في فجر الاثنين ثاني عشر ربيع الأول من العام الحادي عشر للهجرة، وبينما الناس في صلاتهم، خلف أبي بكر -كما أمر بذلك -صلى الله عليه وسلم- إذ بالستر الفاصل بين حجرة عائشة والمسجد يرفع، وبرز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ورائه، فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة فتبسم.. فرجع أبو بكر إلى الصف، ظناً منه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يريد أن يخرج إلى الصلاة.. وكاد المسلمون أن يفتنوا في صلاتهم فرحاً برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأشار إليهم أن أتموا صلاتكم، ثم دخل الحجرة وأرخى الستر.. وانصرف الناس بعد الصلاة وهم يظنون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد شفي وعوفي من مرضه، ولكن تبين أنها كانت نظرة تفقد ووداع.
فعاد -صلى الله عليه وسلم- إلى فراشه واستند على عائشة -رضي الله عنها-، وجعلت تتغشاه سكرات الموت.. قالت عائشة فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ويقول: لا إله إلا الله إن للموت لسكرات. وكانت فاطمة -رضي الله عنها- إذا رأت منه ذلك قالت: واكرب أباه! فيقول لها -صلى الله عليه وسلم-: ليس على أبيك كرب بعد اليوم.
كل هذا جاء في البخاري، ومسلم، وغيرهما بألفاظ مختلفة ومعان متقاربة.
وفي الموطأ أن آخر ما تكلم به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن قال: قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، لا يبقين دينان بأرض العرب.
وقيل: كانت عامة وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- حين حضرته الوفاة: الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم. رواه النسائي، والبيهقي، وأحمد.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كنا نتحدث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يموت حتى يخيَّر بين الدنيا والآخرة قالت: فلما كان مرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي مات فيه، عرضت له بحة، فسمعته يقول: مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. فظننا أنه كان يُخيَّر. رواه البيهقي. قال ابن كثير في البداية: وأخرجاه من حديث شعبة.
وعنها -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول وهو صحيح: إنه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة، ثم يخير. قالت: فلما نزل برسول الله -صلى عليه وسلم- ورأسه على فخذي، غشي عليه ساعة، ثم أفاق فأشخص بصره إلى سقف البيت وقال: اللهم الرفيق الأعلى. فعرفت أنه الحديث الذي كان حدثناه وهو صحيح، وهو: أنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير. قالت: فقلت إذاً لا يختارنا.
وقالت: كانت تلك الكلمة الأخيرة التي تكلم بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الرفيق الأعلى. قال ابن كثير في البداية: أخرجاه من طريق الزهري عن عائشة.
وروى النسائي عن عائشة قالت: أغمي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجعلت أمسح وجهه وأدعو له بالشفاء، فقال: لا. بل الرفيق الأعلى.
وروى الإمام أحمد عن عائشة قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ما من نبي إلا تقبض نفسه ثم ترد إليه، فيخير بين أن ترد إليه وبين أن يلحق. فكنت أحفظ ذلك منه، وإني لمسندته على صدري، فنظرت إليه حين مالت عنقه فقلت: قد قضى، فعرفت الذي قال، فنظرت إليه حين ارتفع فنظر، قالت: إذاً والله لا يختارنا، فقال: مع الرفيق الأعلى في الجنة، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. قال ابن كثير: تفرد به أحمد ولم يخرجوه.
والحاصل أن تخييره -صلى الله عليه وسلم- في البقاء في الدنيا ولقاء ربه -سبحانه وتعالى- ثابت بأحاديث كثيرة، منها ما هو في الصحيحين، ومنها ما هو في غيرهما بألفاظ مختلفة.
وأما اللفظ الذي ذكره السائل الكريم فلم نقف عليه.
والله أعلم.