الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قول الزوج: لو ذكرت أهلي مرة أخرى فحرام وطلاق إنك طالق

السؤال

شيخنا الفاضل: أنا متزوجة منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف ولم أنجب، لأن عندي مشاكل لخبطة هرمونات تؤخر الإنجاب، وزوجي متعب في تعامله منذ ما قبل الزواج ـ والحمدلله على كل حال ـ أتحمل وأصبر كثيرا، ومؤخرا كنت أحدثه عن الكبر والغرور وذكرت له لماذا تريد أن تكون مثل أبيك، فقال ماذا به أبي؟ فقلت له صارم رحمة الله عليه، فجن جنونه وقال لماذا تذكرين أبي وأنت لا دخل لك في أهلي، فلو ذكرتهم مرة أخرى فحرام وطلاق، إنك طالق، تخيل يا شيخ، فهل كلمة صارم سب أو شتم؟ وتخيل شعوري الآن وأنا متزوجة ومعي شرط فكيف أبقى هكذا؟ وكيف لن أذكر أهله وأنا زوجته، فهو يخزن القات، ونحن من اليمن والآن في الخارج من أجل عمله، ومع ذلك يتعبني أسلوبه جدا خاصة عندما يخزن ويدخن، مع أنه والحمد لله يصلي ويصوم إلا أنه لا يحافظ على أوقات الصلاة، وأخاف أنه يصارع نفسه لأنني لم أنجب، وأفكر في الفراق، فما رأيك شيخنا الفاضل؟ وهل يقع الطلاق لو ذكرت له أهله مباشرة؟ أم أنها يمين يمكن دفع كفارة عنها؟ أرجو منك النصيحة، مع العلم أنه أصغر مني سنا، مع وافر التقدير والاحترام، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن سياق الكلام عن الغرور والعجب يدل على أنك ذكرت الصرامة هنا على وجه العيب، وذكر مساوئ الأموات منهي عنه شرعا، ففي صحيح البخاري عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا.

والظاهر أن زوجك يريد منعك من ذكر أهله بالسوء لا منعك من ذكرهم مطلقا، فإذا كانت هذه نيته، فلا يقع الطلاق بالكلام الحسن عنهم، وإذا كانت نيته وقوع الطلاق بذكرك لهم على كل حال، فإن الطلاق يقع بذلك، فالطلاق المعلّق يقع عند الجمهور إذا وقع ما علّق عليه ـ وهو المفتى به عندنا ـ خلافاً لشيخ الإسلام ابن تيمّية الذي يرى عدم وقوعه إذا لم يقصد به الطلاق وأنّه يمكن حلّه بكفارة يمين، وانظر الفتوى رقم: 19162.

وأما المحلوف به ـ وهو الحرام والطلاق ـ فلا يترتب عليه شيء على كل تقدير، لأن الزوجة إما أن لا تفعل المحلوف عليه، فلا حنث، وإما أن تفعله فهي طالق، وبالتالي لم يوجد موجب للحنث في الطلاق المحلوف به، فقد سئل الشيخ عليش ـ كما في فتاويه ـ عَمَّنْ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا إنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا تَكُونِي طَالِقًا، فَهَلْ يَلْزَمُهُ إنْ كَلَّمَتْ زَيْدًا الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، يَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ، لِأَنَّ جَوَابَ الشَّرْطِ تَكُونِي طَالِقًا ـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـ وَتَقَدَّمَ لَنَا أَنَّ هَذَا مِنْ تَعْلِيقِ التَّعْلِيقِ يَتَوَقَّفُ لُزُومُ الثَّلَاثِ فِيهِ عَلَى مَجْمُوعِ شَيْئَيْنِ: كَلَامُهَا زَيْدًا, وَعَدَمُ طَلَاقِهَا, وَهِيَ تَطْلُقُ بِمُجَرَّدِ الْكَلَامِ، فَلَمْ يُوجَدْ مَجْمُوعُ الشَّيْئَيْنِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ. اهـ.

وننبه إلى أمرين:

الأول: حسن العشرة بين الزوجين، فمن شأن ذلك أن يجعل حياة الأسرة مستقرة، ويسعد أفرادها، وعلى كل من الزوجين أن يعرف ما عليه من حقوق للآخر فيقوم بها على أكمل وجه، وتراجع الفتوى رقم: 27662.

الثاني: أن الزوجة إذا كانت متضررة من البقاء مع زوجها ضررا بينا فلها الحق في طلب الطلاق، كما هو مبين بالفتوى رقم: 37112.

ولكن قد لا تكون مصلحة المرأة دائما في الطلاق فينبغي التريث.

الثالث: أن التفريط في الصلاة أمر عظيم، والمحافظة عليها في أوقاتها أمر واجب، فإن كا زوجك مفرطا فيها فابذلي له النصح بالحكمة والموعظة الحسنة، وأكثري له من الدعاء بخير عسى الله أن يصلحه، وراجعي الفتوى رقم: 1195.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني