الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

درجة حديث (إن العبد إذا أذنب لم يكتب عليه حتى يذنب ذنبا آخر..)

السؤال

ما صحة حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَذْنَبَ لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ حَتَّى يُذْنِبَ ذَنْبًا آخَرَ فلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ حَتَّى يُذْنِبَ ذَنْبًا آخَرَ ، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ خَمْسَةٌ مِنَ الذُّنُوبِ، وَعَمِلَ حَسَنَةً وَاحِدَةً كُتِبَ لَهُ خَمْسُ حَسَنَاتٍ، وَجُعِلَ الْخَمْسُ بِإِزَاءِ خَمْسِ سَيِّئَاتٍ فَيَصِيحُ عِنْدَ ذَلِكَ إِبْلِيسُ - عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ - وَيَقُولُ: كَيْفَ أَسْتَطِيعُ عَلَى ابْنِ آدَمَ، وَإِنِّي وَإِنِ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ يُبْطِلُ بِحَسَنَةٍ وَاحِدَةٍ جَمِيعَ جَهْدِي؟"؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذا الحديث لم نجده يروى بأي إسناد في كتب أهل العلم؛ لا صحيحٍ ولا ضعيفٍ! وإنما وجدناه في كتاب: (تنبيه الغافلين) لأبي الليث السمرقندي - رحمه الله - وكتابه مشحون بما لا تصح نسبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والسمرقندي لم يكن من أهل الحديث، فقد قال عنه الإمام الحافظ الذهبي - رحمه الله -: تَرُوجُ عَلَيْهِ الأَحَادِيثُ الموضُوعَةُ! أهــ. وعلى هذا فلا وثوق بحديث لا إسناد له, ولا يوجد إلا عنده.

ويغني عن هذا الحديث ما رواه الطبراني في معجمه الكبير, والبيهقي في شعب الإيمان عَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رضي الله تعالى عنه - عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: إِنَّ صَاحِبَ الشِّمَالِ لِيَرْفَعُ الْقَلَمَ سِتَّ سَاعَاتٍ عَنِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْمُخْطِئِ أَوِ الْمُسِيءِ، فَإِنْ نَدِمَ وَاسْتَغْفَرَ اللهَ مِنْهَا أَلْقَاهَا، وَإِلَّا كُتِبَتْ وَاحِدَةً. والحديث حسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير, وأورده ضمن السلسلة الصحيحة.

قال الإمام المناوي في فيض القدير: (إن صَاحب الشمَال) أَي: كَاتب السَّيِّئَات (ليرْفَع الْقَلَم) أَي: لَا يكْتب مَا فَرَطَ من الْخَطِيئَة (سِتّ سَاعَات) يحْتَمل الزمانية, وَيحْتَمل الفلكية (عَن العَبْد الْمُسلم المخطىء)؛ فَلَا يكْتب عَلَيْهِ الْخَطِيئَة قبل مُضِيِّها، بل يُمْهِلُه تِلْكَ المدّة، (فَإِن نَدم) على فِعْلِه الْخَطِيئَةَ (واستغفر الله مِنْهَا) أَي: طلب مِنْهُ أَن يغفرها لَهُ, وَتَابَ تَوْبَة صَحِيحَة (أَلْقَاهَا) أَي: طَرَحَها فَلم يَكْتُبهَا، (وَإِلَّا) أَي: وَإِن لم ينْدَم, وَلم يسْتَغْفر (كتبت) يَعْنِي: كتبهَا كَاتب الشمَال (وَاحِدَةً) أَي: خَطِيئَة وَاحِدَة، بِخِلَاف الْحَسَنَة فَإِنَّهَا تكْتب عشرًا، ذَلِك تَخْفيفٌ من ربكُم وَرَحْمَة. أهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني