السؤال
ما حكم قول هذه العبارة: رباه أمات الحب عشاقاً وحبك أنت أحياني؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه العبارة لا غبار عليها فيما يظهر لنا، فكم من عاشق مات بسبب عشقه الباطل، وهو إن لم يمت حقيقة بفراق روحه لبدنه مات قلبه، وأما محبة الله ففيها حياة القلب ونوره وإشراقه، قال ابن القيم في طريق الهجرتين: من عرف الله أحبه ولا بد، ومن أحبه انقشعت عنه سحائب الظلمات، وانكشفت عن قلبه الهموم والغموم والأحزان، وعمر قلبه بالسرور والأفراح وأقبلت إليه وفود التهاني والبشائر من كل جانب، فإنه لا حزن مع الله أبدا، ولهذا قال حكاية عن نبيه أنه قال لصاحبه أبي بكر: لا تحزن إن الله معنا ـ فدل أنه لا حزن مع الله، وأن من كان الله معه فما له والحزن، وإنما الحزن كل الحزن لمن فاته الله، فمن حصل الله له فعلى أي شيء يحزن، ومن فاته الله فبأي شيء يفرح، قال تعالى: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ـ فالفرح بفضله ورحمته تبع للفرح به سبحانه، فالمؤمن يفرح بربه أعظم من فرح كل أحد بما يفرح به من حبيب أو حياة أو مال أو نعمة أو ملك، يفرح المؤمن بربه أعظم من هذا كله، ولا ينال القلب حقيقية الحياة حتى يجد طعم هذه الفرحة والبهجة فيظهر سرورها في قلبه ونضرتها في وجهه فيصير له حال من حال أهل الجنة حيث لقاهم الله نضرة وسرورا، فلمثل هذا فليعمل العاملون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، فهذا هو العلم الذي شمر إليه أولوا الهمم والعزائم، واستبق إليه أصحاب الخصائص والمكارم. اهـ.
وقال أيضا في روضة المحبين: الراغبون ثلاثة أقسام: راغب في الله، وراغب فيما عند الله، وراغب عن الله، فالمحب راغب فيه، والعامل راغب فيما عنده، والراضي بالدنيا من الآخرة راغب عنه، ومن كانت رغبته في الله كفاه الله كل مهم، وتولاه في جميع أموره، ودفع عنه ما لا يستطيع دفعه عن نفسه. اهـ.
وقال في إغاثة اللهفان: أنواع القلوب ثلاثة:
1ـ قلب سليم وهو الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به، قال تعالى: يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ {الشعراء: 88-89} والقلب السليم هو الذي سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه، ومن كل شبهة تعارض خبره، فسلم من عبودية ما سواه، وسلم من تحكيم غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالجملة فالقلب السليم الصحيح هو الذي سلم من أن يكون لغير الله فيه شرك بوجه ما، بل قد خلصت عبادته لله إرادة وتوكلا ومحبة وإنابة وإخباتا وخشية ورجاء.
2ـ قلب ميت وهو المتعبد لغير الله حبا وخوفا ورجاء ورضا وسخطا، إن أبغض أبغض لهواه، وإن أحب أحب لهواه، وإن أعطى أعطى لهواه، وإن منع منع لهواه، فالهوى إمامه، والشهوة قائده، والجهل سائقه، والغفلة مركبه.
3ـ قلب مريض وهو الذي له حياة وبه علة، فله مادتان: تمده هذه مرة وهذه مرة أخرى، وهو لما غلب عليه منهما، ففيه من محبة الله تعالى والإيمان به ما هو مادة حياته، وفيه من محبة الشهوات والحرص على تحصيلها ما هو مادة هلاكه وعطبه. اهـ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني