الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فقبل الكلام على مصاريف المشيعين نذكرمصاريف نقل الجثة نفسها, والفقهاء اختلفوا في نقل الميت من بلد إلى آخر فكرهه بعضهم، وحرمه بعضهم، وأجازه آخرون إذا كان لغرض صحيح, وهذا هو المفتى به عندنا.
إلا أن بعض الفقهاء الذين يرون جواز نقل الميت قالوا بعدم نقله إذا كان لنقله مؤنة ونفقة ولو أوصى بذلك, قال أبو الحسن علي بن الحسين السغدي الحنفي المتوفى سنة 461هـ: ولا تجوز الوصية في سبعة أشياء وإن أجازها الورثة..... السادس: أن يحمل جثمانه من بلد إلى آخر ويحتاج إلى مؤنة ونفقة في ذلك... اهــ.
وجاء في رد المحتار من كتب الحنفية: وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُدْفَنَ فِي مَقْبَرَةِ كَذَا بِقُرْبِ فُلَانٍ الزَّاهِدِ تُرَاعَى شَرَائِطُهُ إنْ لَمْ يَلْزَمْ فِي التَّرِكَةِ مُؤْنَةُ الْحَمْلِ.
وقال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ فيمن أوصى بنقله ليدفن في بلد آخر: لا حرج في أن تنفذ وصيته إذا لم يكن في ذلك إتلافٌ للمال، فإن كان في ذلك إتلافٌ للمال بحيث لا ينقل إلا بدراهم كثيرة فإنها لا تنفذ وصيته حينئذٍ، وأرض الله تعالى واحدة... اهــ.
ولم نقف على كلام آخر عند من يجيز نقل الميت يفيد بأن أجرة النقل تكون في التركة, وعلى قول من ذكرنا من فقهاء الحنفية وما أفتى به العلامة ابن عثيمين فإن أجرة نقل الميت لا تكون من التركة ولا تنفذ وصيته, وإذا تبين هذا فإن مصاريف المشيع ولو احتيج إليه في النقل لا تكون من التركة من باب أولى، وبعض الفقهاء لا يجيز النقل ابتداء ولو أوصى به بغض النظر عن كون نقله مجانا أو بالمال, جاء في المجموع للنووي بعد القول بكراهة النقل قال: ... وقال القاضي حسين والدارمي والمتولي: يحرم نقله، قال القاضي حسين: والمتولي ولو أوصى بنقله لم تنفذ وصيته وهذا هو الأصح، لأن الشرع أمر بتعجيل دفنه، وفي نقله تأخيره، وفيه أيضا انتهاكه من وجوه، وتعرضه للتغير وغير ذلك... اهـ.
ولا يجوز إخراج صدقة من التركة لم توص بها المتوفاة إلا برضا الورثة، لأن التركة تعتبر ملكا لهم بمجرد موت المورِّث، وما دامت ملكا لهم فإنه لا يجوز أن يُتصدق منها بشيء بدون إذنهم.
وأما هل تجب الزكاة في المبلغ المذكور فجوابه أن الزكاة تجب في المبلغ عن كل سنة ماضية بلغ فيها قيمة خمسة وثمانين جراما من الذهب أو خمسمائة وخمسة وتسعين جراما من الفضة، وحال عليه الحول في حياة المرأة ولم تخرج زكاته, فإذا كان المبلغ المذكور كذلك فإن الزكاة قد وجبت فيه، وإذا كان على المرأة دين ـ كما ذكرت ـ فإنكم تخصمون الدين الذي استقر في ذمتها قبل وجوب الزكاة في تلك السنوات, فتخصمونه من المبلغ المذكور، وتنظرون فيما بقي بعده فإن نقص عن النصاب فلا زكاة, وإن لم ينقص عن النصاب أخرجتم الزكاة مما بقي بعد خصم الدين، وأما الدين الذي استقر في ذمتها بعد وجوب الزكاة في تلك السنوات فإنه لا يخصم من الزكاة، لأنها وجبت قبل استقراره في الذمة فلا تسقط به.
وإذا لم تُخرج المرأة الزكاة لعدة سنوات أُخرجت الآن عن كل تلك السنوات ـ كما ذكرنا ـ ويُخرج عن كل سنة ربع العشر, أي 2.5 %, بعد خصم الدين على التفصيل الذي ذكرناه آنفا, وإذا لم يُعلم مقدار الزكاة عن تلك السنوات على وجه الدقة فيُخرج ما يغلب على الظن أنها مطالبة به, سئلت اللجنة الدائمة عمن لم يخرج زكاة سنوات ماضية: كيف يمكن للشخص أن يخرج الزكاة إذا لم يكن متأكدا من مقدار المال الذي وجبت فيه الزكاة في ذلك الوقت السابق؟ فأجابت: ويعمل بظنه في تقدير المال وعدد السنوات إذا شك فيها، لقول الله عز وجل: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ. اهــ.
ولا تسقط الزكاة لكون المرأة ماتت قبل إخراجها، بل تخصم من التركة قبل قسمتها على الورثة، لأنها من جملة الدين الذي على الميت, ومن المعلوم أن الدين مقدم على حق الورثة في المال فيُخرج الدين أولا سواء كان زكاة أو حقا لأشخاص أو حقا لله تعالى ككفارة، ثم يُقسم الباقي بين الورثة, قال صاحب الروض: ويخرج وصي، فوارث، فحاكم الواجب كله من دين وحج وغيره كزكاة ونذر وكفارة من كل ماله بعد موته، وإن لم يوص به؛ لقوله تعالى: مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ. {النساء:11} اهـ.
وإذا لم تترك المرأة من الورثة إلا من ذكر، فإن لابنتها النصف ـ فرضا ـ لقول الله تعالى في نصيب البنت الواحدة: وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ {النساء: 11}.
وللأخت الشقيقة الباقي ـ تعصيبا ـ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعطى الأخت ما فضُل بعد نصيب البنات والحديث في البخاري, فالأخوات مع البنات عاصبات، كما قال صاحب الرحبية:
والأخوات إن تكن بنات * فهن معهن معصبات.
فتقسم التركة على سهمين: للبنت سهم، وللشقيقة سهم.
والله أعلم.