السؤال
الإخوة العاملون على الموقع جزاكم الله خيرًا أولا لما تقدمون من جهودٍ مباركة بإذن الله.
هذا سؤالي تندرج تحته عدة أسئلة في ذات الموضوع أطرحها عليكم، وأتمنى إجابة شافية منكم، وأتمنى فعلاً ألا تهملوا بقية الإجابة لما فيها من راحة لي.
أتساءل أين علماؤنا ودعاتنا من موضوع العنصرية الحاصلة في بعض من البلدان المُسلمة؟ وهل العنصرية حلال باسم الوطن؟ أقصد هل يُشرع للمسلم أن يكره أخاه المسلم فقط لأنه ليس من بلده؟ وأن يتجرد من إنسانيته مع غير المُسلم فيظلمه ويسلب حقه؟
وماذا علي كفتاة مسلمة إذا واجهت ردودا عنصرية وإن لم تكن موجهة لي، ولكن بشكل عام أي المنتديات والصحف الإلكترونية وغيرها؟ وهل دفاعي عن إخوتي الوافدين فيه شيء؟ وهل يجوز لي الدعاء على كل من ظلمنا أو ظلم الوافدين؟
إن القلب ليحزن والعين تدمع لكثير من التصرفات التي لا تنتمي للإسلام وهي باقية عنصرية من الجاهلية القديمة.
فلماذا لايوجد من الدعاة والعلماء الناصحين لهذا الأمر الخطير الذي بات يشتت أبناء الأمة الإسلامية، وبات يقسمنا على حسب أوطاننا فقط وهذا الذي جعلنا في آخر الركب، فإن كنا نستنكر على الغرب احتلال بلادنا المُسلمة والعنصرية الحاصلة في الدول الأوربية والأجنبية بخصوص الإسلام والنقاب واللحية وغيرها، فمن باب أولى أن نستنكر على أبناء الأمة هذه العنصرية البغيضة.
هذا وبارك الله فيكم وأعتذر عن الإطالة.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فنقول ابتداء إن لفظ العنصرية يقصد به الاعتقاد بأن مجموعة من الناس أعلى أو أدْنى درجة من أناس آخرين، بناء على معايير فاسدة كمعيار السلالة، أو الوطنية، أو الوظيفة، أو النسب، أو غيرها, ويسمى الناس الذين يعتقدون أو يمارسون هذا التمييز بالعنصريين، كمن يعتقد أن سلالته أعلى شأنا في النواحي العقْلية والأخلاقية أو الثقافية من أفراد السّلالات الأخرى. ولأن العنصريين يفْترضون أنّهم أرفع مقامًا، لذلك فإنهم يعتقدون بأنهم يستحقّون حقوقاً وامتيازات خاصة.
ولا شك أن العنصرية بهذا المفهوم يعتريها محظوران:
أولهما: أنها تورث الكبر وتحمل عليه - إن لم تكن هي الكبر بعينه - كما قال ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر: الحامل على التكبر هو اعتقاد كمال تميزه على الغير بعلم أو عمل، أو نسب، أو مال، أو جمال، أو جاه، أو قوة، أو كثرة أتباع. اهــ.
ومن المعلوم أن الكبر من كبائر الذنوب، ولذا يعامل المتكبر يوم القيامة بنقيض حاله. ففي مسند أحمد وسنن الترمذي – واللفظ له – أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ – أي في حجم الذر وهو صغار النمل - فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمْ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ، يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الْخَبَالِ.اهــ.
والمحظور الثاني: أنها مخالفة لما جاءت به الشريعة من وجوب محبة المسلمين وتآلفهم، وعدم احتقار بعضهم لبعض، والبعد عن كل ما من شأنه زرع الأحقاد والضغائن بينهم, ففي كتاب الله تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ... } الحجرات : 10 , ونُهينا في القرآن أيضا عن أن يغتاب بعضنا بعضا، أو يلمزه بقول، أو يهمزه بفعل، أو ينبزه بلقب، أو يظن به السوء, وفي سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ . رواه مسلم.
وجعل الله تعالى التقوى معيار المحبة والمفاضلة عنده فقال: { ... إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ... } الحجرات : 13 , فينبغي أن تكون التقوى هي المعيار عندنا أيضا, ولذا قال ابن عباس رضي الله عنه: أحب في الله، وأبغض في الله، ووالي في الله، وعادي في الله، فإنما تنال موالاة الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان ولو كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، ولقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي عن أهله. اهــ. وقد سبق أن أصدرنا فتوى عن التمييز العنصري في منظار الإسلام وهي برقم: 109216.
والحاصل أن على المسلمين أن يتقوا الله تعالى، وأن لا يحتقروا إخوانهم, وعلى أهل العلم أن يذكروا الناس بدينهم ويحذروهم من مخالفة أمر الله تعالى أو أمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، ويؤالف ذات بينهم، ويهديهم سبل الرشاد.
والله تعالى أعلم.