الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يؤجر من ذكر الله تعالى بلسانه دون قلبه

السؤال

أنا والحمدلله أستغفر وأدعـو ولكن تفكيري ليس معي، فمثلا: أستغفر وتفكيري في أمور أخرى، وأواصل الاستغفار دون أن أشعر، لأنني لست مركزة وكأني مبرمجة، فلساني يتكلم دون أن أنتبه، وفي الدعاء والصلاة كذلك أصلي وأكمل الصلاة وأستدرك الأمر عند التسليم فهل يكتب لي استغفاري ويرفع دعائي وصلاتي؟ أم أنها تعتبر خاطئة ولا تحسب؟ وكيف أستشعر أعمالي؟ وأحيانا أحاول قدر المستطاع أن أركز ولكن لا أنجح، والأهــــــــــم: الحمدلله دعوت في العشر الأواخر ولا أدري هل أدركت ليلة القدر أم لا؟ وعندي خصومة مع إحدى أخواتي وهي خصومة طويلة ولا نتكلم منذ زمن طويل، والسؤال: هل استجيب دعائي في تلك الليلة ورفعت أعمالي؟ أم أن القطيعة تمنع ذلك؟ وإذا كانت القطيعة تمنع ذالك، فما العمل وليلة القدر قد ذهبت ولا تتكرر إلا مرة في السنة؟ وهل إذا كلمت أختي يرفع دعائي في ليلة القدر وأحصل على ما أريد ـ بإذن الله ـ أم ماذا؟ وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الذاكر ـ داعيا كان أو مستغفرا ـ ينبغي أن يحضر قلبه وأن يستشعر معنى ما يقول، فإن ذلك أعظم أجرا وأبلغ أثرا، لكن الذاكر بلسانه دون قلبه وإن كان ذكره على غير الوجه الأتم لا شك في أن له أجرا، فأحوال الذكر ثلاثة: تارة يكون بالقلب واللسان، وذلك أفضل الذكر، وتارة بالقلب وحده، وهي الدرجة الثانية، وتارة باللسان وحده وهي الدرجة الثالثة، قال الحافظ في الفتح: ولا يشترط استحضاره لمعناه، ولكن يشترط ألا يقصد به غير معناه وإن انضاف للنطق الذكر بالقلب فهو أكمل.

وقال الغزالي ـ رحمه الله ـ في الإحياء: الاستغفار باللسان أيضاً حسنة، إذ حركة اللسان بها عن غفلة خير من حركة اللسان في تلك الساعة بغيبة مسلم أو فضول كلام، بل هو خير من السكوت عنه، فيظهر فضله بالإضافة إلى السكوت عنه، وإنما يكون نقصاناً بالإضافة إلى عمل القلب.

أما عن الخشوع: فإن على المصلي أن يحضر بقلبه وأن يخشع في صلاته ما استطاع، فأجر الصلاة على قدر الخشوع فيها، وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا قام للصلاة سمع لجوفه أزيز كأزيز القدر، وأعون شيء على تحقيق الخشوع أمران:

أولهما: أن يستحضر المصلي في صلاته من يناجي.

وثانيهما: أن يصلي صلاة مودع.

لكنك بقدر المجاهدة وبذل الجهد في تحصيل الخشوع تثابين، ولا بد في تحصيل الخشوع من المجاهدة فقد أثر عن بعض السلف أنه قال: تعذبت بالصلاة عشرين سنة ثم استرحت بها باقي عمري.

وصلاتك ـ إن شاء الله تعالى ـ صحيحة مرفوعة.

أما عن المخاصمة التي بينك وبين أختك: فإننا لم نقف على ما يدل على تأثير الهجران المحرم على ثواب قيام ليلة القدر بخصوصها، وإن كان قد ثبت تأثيرها على الصلاة عموما ـ وهو يكفي زجرا ـ فقد جاء في الحديث الذي رواه ابن ماجه وغيره عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة: إمام قوم وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها غضبان، وأخوان متصارمان.

وانظري الفتوى رقم: 184643.

كما ثبت أن الهجران سبب للحرمان من مغفرة الذنوب، فقد قال صلى الله عليه وسلم: تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مسلم لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا.

وعليك أن تبادري برفع هذا الهجر بينكما وذلك ببدئها بالسلام ما لم يكن هجرك لها في شيء من أمر الدين فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.

فإذا تصالحتما وارتفعت الشحناء التي بينكما غفر لك ذنب المهاجرة وغيره، قال ابن عبد البر معقبا على حديث الإنظار السابق: فيه أن ذنوب العباد إذا وقع بينهم المغفرة والتجاوز سقطت المطالبة بها من الله، لقوله: حتى يصطلحا ـ فإذا اصطلحا غفر لهما ذلك وغيره من صغائر ذنوبهما.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني