الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الدعاء بأن اكون أغنى رجل في العالم.. رؤية شرعية

السؤال

هل الدعا بأن أكون أغنى رجل في العالم يعتبر من الاعتداء في الدعاء؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الاعتداء في الدعاء هو مجاوزة الحد فيه, ومنه الدعاء بما لا يجوز شرعاً أو عادة، ورفع الصوت به والصياح فيه، لأن الله تعالى يقول: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ {الأعراف:55}.

ومنه سؤال منازل الأنبياء، والتكلف في السجع.. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الاعتداء في الدعاء تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من المعونة على المحرمات، وتارة يسأل ما لا يفعله الله مثل أن يسأل تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية، من الحاجة إلى الطعام والشراب، ويسأله بأن يطلعه على غيبه، أو أن يجعله من المعصومين، أو يهب له ولداً من غير زوجة، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء لا يحبه الله، ولا يحب سائله.

وانظر الفتويين رقم: 45972، ورقم: 37632.

وبالنظر إلى تعريف أهل العلم للاعتداء في الدعاء، فإن دعاء الشخص بأن يكون أغنى رجل في العالم لا يعتبر اعتداء، وننبه السائل الكريم إلى أن المسلم في هذه الحياة إنما خلق لعبادة الله تعالى وعمارة الأرض وإقامة الحق والعدل.. فقد قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56}.

وقال تعالى: هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا {هود:61}.

ولو كان الشخص أغنى رجل في العالم فإنه لا ينتفع في هذه الحياة إلا بالقليل من ماله، وهو ما يسد حاجته كغيره من غير الأغنياء، وما فضل عن ذلك فليس له، وإن كان يملكه، فقد قال أبو الدرداء ـ رضي الله عنه: أهل الأموال يأكلون ونأكل، ويشربون ونشرب، ويلبسون ونلبس، ويركبون ونركب، ولهم فضول أموال ينظرون إليها وننظر إليها معهم، وحسابهم عليها ونحن منها برآء.

لذلك لا ينبغي للمسلم أن يكون أكبر همه أن يكون أغنى رجل في العالم، وليسأل الله تعالى الهدى والتقى والعفاف والغنى، ويستعيذ به من الكفر والفقر.. فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.

وقد فسرالنووي في شرح مسلم الغنى هنا بغنى النفس والاستغناء عن الناس وعما في أيديهم.

ومن أدعيته صلى الله عليه وسلم: اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين واغننا من الفقر. رواه مسلم وغيره.

لذلك، فإن على المسلم إذا سأل الله أن يكون أغنى رجل في العالم أن يسأل الله غنى النفس، وأن يعينه على أداء حق المال، ويستعيذ به من بطر الغنى وفتنة المال، وأن يتخذ الأسباب لذلك، وإلا كان اعتداء في الدعاء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني