الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية نصحح للأخ السائل أسماء من ذكرهم من الرواة، فالأول: جناب الأسدي ـ وصوابه: يونس بن خباب الأسيدي، فهذا هو الذي كان يشتم عثمان، وهو الذي قال فيه الحاكم أبو أحمد: تركه يحيى وعبد الرحمن، وأحسنا في ذلك، لأنه كان يشتم عثمان ومن سب أحدا من الصحابة فهو أهل أن لا يروى عنه. اهـ.
والثاني: عبد الله بن موسى ـ وصوابه: عبيد الله بن موسى ـ فهذا هو الذي يذكر أنه تناول معاوية بن أبي سفيان، وقد أرسل الإمام أحمد رسولا إلى يحيى بن معين وهو بمسجد الجامع بالرصافة، فقال له: أخوك أبو عبد الله أحمد بن حنبل يقرأ عليك السلام ويقول لك: تكثر الحديث عن عبيد الله بن موسى العبسي، وأنا وأنت سمعناه يتناول معاوية بن أبي سفيان، وقد تركت الحديث عنه، فرفع يحيى بن معين رأسه وقال للرسول: اقرأ على أبي عبد الله السلام، وقل له: يحيى بن معين يقرأ عليك السلام، ويقول لك: أنا وأنت سمعنا عبد الرزاق يتناول عثمان بن عفان، فاترك الحديث عنه، فإن عثمان أفضل من معاوية. تاريخ بغداد 14/427.
وعذر الإمام أحمد في ذلك قد أبداه الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب 7ـ 53ـ حيث أسند عن الحافظ أبي مسلم البغدادي قوله: عبيد الله بن موسى من المتروكين تركه أحمد لتشيعه، وقد عوتب عن روايته عن عبد الرزاق، فذكر أن عبد الرزاق رجع. اهـ.
وأما ترك الإمام أحمد للرواية عن عبيد الله بن موسى فليس فقط لكونه غاليا في التشيع، وقد بين الإمام ذلك بقوله: كان صاحب تخليط وحدث بأحاديث سوء، أخرج تلك البلايا فحدث بها. اهـ.
وقال أيضا: روى مناكير، وقد رأيته بمكة فأعرضت عنه، وقد سمعت منه قديماً سنة خمس وثمانين وبعد ذلك، عتبوا عليه ترك الجمعة مع إدمانه على الحج. اهـ.
وأما حريز بن عثمان، فقد أخرج له الإمام البخاري، وذلك أنه روى عن أبي اليمان قال: كان حريز يتناول من رجل ثم ترك يعني علياً. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر في التهذيب: إنما أخرج له البخاري لقول أبي اليمان إنه رجع عن النصب. اهـ.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه يروى عنه ما يخالف ذلك ويبرئه من هذه التهمة، ولذلك قال عنه الإمام أبو حاتم الرازي: حسن الحديث، ولم يصح عندي ما يقال في رأيه، ولا أعلم بالشام أحدا أثبت منه. اهـ.
وقال علي بن عياش: سمعت حريز بن عثمان يقول لرجل: ويحك أما خفت الله! حكيت عني أني أسب عليا! والله ما أسبه وما سببته قط. اهـ.
وسأله رجل من أهل خراسان عن حريز: هل كان يتناول عليا؟ فقال ـ علي بن عياش: أنا سمعته يقول: إن أقواما يزعمون أني أتناول عليا، معاذ الله أن أفعل ذلك، حسيبهم الله. اهـ.
وقال شبابة: سمعت حريز بن عثمان قال له رجل: يا أبا عثمان، بلغني أنك لا تترحم على عليٍّ؟ فقال له: اسكت، ما أنت وهذا ثم التفت إلي فقال: رحمه الله مائة مرة. اهـ.
وجهة ثالثة: وهي أن أكثر الروايات التي تذكر بغضه لعلي ـ رضي الله عنه ـ تذكر أن ذلك إنما كان لقتل علي ـ رضي الله عنه ـ لآبائه، ومن ذلك ما ذكره الخلال قال: حدثنا عمران بن أبان قال: سمعت حريز بن عثمان يقول: لا أحبه، قتل آبائي. اهـ.
وفي رواية: لأنه قتل من قومي يوم صفين جماعة. اهـ.
وقد ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء شيئا من ذلك ثم قال: هذا الشيخ كان أورع من ذلك، وقد قال معاذ بن معاذ: لا أعلم أني رأيت شاميا أفضل من حريز، وقال يحيى بن معين، وجماعة:ثقة. اهـ.
وفرق كبير بين من يبغض رجلا لصلاحه وبلائه في دين الله، وبين من يبغضه لأمر طبيعي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: لا ريب أن من أحب عليا لله بما يستحقه من المحبة لله، فذلك من الدليل على إيمانه، وكذلك من أحب الأنصار لأنهم نصروا الله ورسوله، فذلك من علامات إيمانه، ومن أبغض عليا والأنصار لما فيهم من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله فهو منافق ... ومن قدر أنه سمع عن بعض الأنصار أمرا يوجب بغضه فأبغضه لذلك، كان ضالا مخطئا، ولم يكن منافقا بذلك، وكذلك من اعتقد في بعض الصحابة اعتقادا غير مطابق، وظن فيه أنه كان كافرا أو فاسقا فأبغضه لذلك كان جاهلا ظالما ولم يكن منافقا. اهـ.
وقد سبق لنا تحرير مسألة: حكم الرواية عن أهل البدع، في الفتوى رقم: 131805.
ولمزيد الفائدة عن ذلك يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 138847.
والله أعلم.