السؤال
لدينا في الإسلام حكمة أن تعيش كل يوم كأنه آخر يوم في حياتك. لكن، عندما أفكر في تطبيق ذلك، و أقول لنفسي: لو كان هذا آخر يوم في حياتي سأمضي يومي كاملا أسبح و أستغفر. و هكذا تصبح حياتي كلها تسبيحا و استغفارا. و لن أفكر لو أني أعتقد أني سأموت اليوم، لن أفكر في زواج أو عمل أو غيره.
فهل هذه الحكمة صحيحة وهل هذا ما يريد الإسلام منا أن نفعله؟
أريد ردكم على كل ما قلته؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقصود بهذه الحكمة تذكر الموت والاستعداد له و هو أمر مهم جدا، فهو يحفز على البدار بالتوبة والإكثار من الطاعات، ويدل لذلك ما في الحديث: أكثروا من ذكر هاذم اللذات . رواه النسائي والترمذي وصححه الألباني .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أكثروا ذكر هاذم اللذات - الموت، فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه. رواه البيهقي وحسنه الألباني.
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاشِرَ عَشَرَةٍ ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، مَنْ أَكْيَسُ النَّاسِ وَأَحْزَمُ النَّاسِ ؟ فَقَالَ : أَكْثَرَهُمْ ذِكْرًا لِلْمَوْتِ، وَأَشَدُّهُمُ اسْتِعْدَادًا لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ الْمَوْتِ، أُولَئِكَ هُمُ الأَكْيَاسُ ذَهَبُوا بِشَرَفِ الدُّنْيَا وَكَرَامَةِ الآخِرَةِ. رواه ابن ماجه، والطبراني في الصغير وحسنه المنذري والهيثمي وقال العراقي: إسناده جيد.
و جاء في الأثر: اعمل عمل امرئ يظن أنه لن يموت أبداً، واحذر حذر امرئ يخشى أن يموت غداً. وفي لفظ: واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً. وقد رويا مرفوعين إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طرق ضعيفة.
وقال القرطبي رحمه الله في كتابه التذكرة: قال العلماء : تذكر الموت يردع عن المعاصي ويلين القلب القاسي، ويذهب الفرح بالدنيا و يهون المصائب فيها. انتهى.
وقال القرطبي في التذكرة أيضا : قال الدقاق: من أكثر من ذلك الموت أكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرضى بالكفاف، والتكاسل في العبادة. انتهى.
ولكن يتعين على العبد أن يكون معتدلا في جميع أموره، فيجعل الموت نصب عينيه لينشط للطاعات ويكثر التوبة والإنابة إلى الله ويبتعد عن المعاصي حتى لا يبغته الموت وهو يقارف المنكرات فيبوء بسوء الخاتمة أعاذنا الله، ولا ينبغي للعبد أن يفرط ويتجاوز حد الاعتدال فيصبح التفكير بالموت مسيطرا على عقله وشاغلاً له عن مهامه ونشاطه وعمارته للأرض من كسب وزواج وتربية عيال وغير ذلك من شوؤنه . والربط بين العمل للدنيا والاخرة يكون باتباع منهج الإسلام الصحيح الذي بينه القرآن الكريم في قوله تعالى:وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا {القصص:77}، وقد جمع الأنبياء والصحابة بين الدعوة والجهاد والعبادات، وعمارة الأرض، والتكسب والزواج. فالأنبياء أفضل البشر وأتقاهم وأعرفهم بالله وأشدهم له خشية، وأعظمهم اشتغالا بالجهاد والدعوة، والعبادات. ومع ذلك لم يصدهم هذا عن الزواج وطلب الذرية الصالحة، قال الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً [الرعد:38].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ...وأتزوج النساء, فمن رغب عن سنتي فليس مني. رواه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج .... الحديث. رواه البخاري ومسلم.
والله أعلم.