السؤال
سؤالي يندرج تحت بند الميراث: جدي قبل وفاته أراد أن يوزع ميراثه حيث كان يريد تعويض الأبناء الذكور ببعض من المال نظرا لاشتغالهم معه في تجارته حيث اشتغلوا معه ما يقارب 30عاما حتى وفاته: في البداية كانت جدتي دائما تأتي أمي وتقول لها خذي حقك الآن ولا تؤجلي وكانت تلح عليها وحدث لنا موقف نريد بعض المال فيه فطلبت والدتي أخذ مبلغ كسلفة من جدي لترده فقال لها جدي وجدتي خذي حقك في الميراث، فما كان لها إلا أن توافق بسبب الظروف، وطبعا والدتي أخذت أقل من الميراث بكثير جدا جدا ولا يعادل 1/3 من حقها الشرعي، ووالدتي لم تهتم لذلك، والحمد لله تخطينا الأزمة والأمور تسير بشكل عادي جدا، وتوفي جدي، وبعدها عرض خالي الأكبر تقسيم الميراث على باقي أخوات والدتي ـ خالاتي ـ وطبعا مثل ما أخذت والدتي أخذوا القدر البسيط من الميراث فرفضوا إلا أن يأخذوا حقهم كاملا، فقال الابن الأكبر انظروا كم سنة صرفنا عليكم في التعليم وغيره ويريد احتساب معيشة أخواته في بيت أبيه على الرغم من أن الوالد حي حتى زواج بناته كلهن فذهبت البنت إلى شيخ تعرفه وسألته ما الحل؟ وهل تقبل؟ أم ماذا تفعل، فقال لها الشيخ لا إن لم تأخذي حقك كاملا في الميراث بشرع الله فعليك أن تشتكى وإلا وقع عليك إثم، فماذا تفعل؟ أتشتكي إخوتها أم تستعيض ربنا؟ وهل والدتي عليها إثم فيما فعلت حين أخذت الميراث وجدي حي، نريد حلا شرعيا وجزاكم الله كل خير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في أن يتنازل أحد عن ميراثه أو عن بعضه، ولا حرج كذلك في قبول الهضيمة في نيل الحق، بل يستحسن ذلك إن كان فعله سخاءً ونبلا، وصلةً لرحمه، وإزالة للشحناء، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب الحق: خذ حقك في عفاف، واف أو غير واف. رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.
وراجع الفتوى رقم: 120426.
وهذا من جهة الباذل، أما الذي يمنع الحق ويأبى أن يوفيه لصاحبه فهو ظالم متعد، وإن كان ذلك في الميراث فهو متوعد بقوله تعالى بعد أن بيَّن أنصبة المواريث: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ {النساء13ـ 14}.
قال السعدي: أي: تلك التفاصيل التي ذكرها في المواريث حدود الله التي يجب الوقوف معها وعدم مجاوزتها، ولا القصور عنها. اهـ.
وإن وقع هذا الظلم على الورثة من النساء كان أشد قبحا وأعظم جرما، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة. رواه ابن ماجه وأحمد، وصححه البوصيري وحسنه النووي والألباني.
قال النووي في رياض الصالحين: معنى: أحرج ـ ألحق الحرج ـ وهو الإثم ـ بمن ضيع حقهما، وأحذر من ذلك تحذيرا بليغا وأزجر عنه زجرا أكيدا. اهـ.
وبذلك يتضح أن ما قاله الشيخ المذكور في السؤال ليس بصواب، فمن لا يأخذ حقه كاملا ليس بآثم، إنما الآثم من منعه حقه.
وأما بخصوص الواقع الذي ذكره الأخ السائل، فإن المبلغ الذي أعطاه جدك لوالدتك على أنه حقها في الميراث، لا يصح اعتباره كذلك، لأن من شروط الإرث تحقق موت الوارث، وسواء أكان لهذا المبلغ حكم الهبة أم حكم الدَّين، فإنه يجب إرجاعه إلى التركة ليعاد قسمه بين جميع الورثة، أو يخصم من نصيبها من الميراث، لأنه يشترط في الهبة للأبناء: العدل وعدم تفضيل بعضهم على بعض إلا لمسوغ شرعي، فإن حصل هذا التفضيل دون مسوغ فالهبة باطلة وترد إلى التركة بعد ممات الواهب، وراجع الفتويين التاليتين: 112316، 14893.
وأما مسألة خصم نفقات معيشة البنات من نصيبهن من الميراث: فلا يصح هذا ولا يجوز، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 65855.
وأما مسألة رفع الأمر للمحكمة الشرعية: فلا حرج فيه، والأولى من ذلك أن تجتهدوا في التصالح والتراضي في ما بينكم، ولو كان ذلك عن طريق تنازل البعض عن جزء من حقه.
والله أعلم.