الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن العلم بأسماء وصفات الله المذكورة في التسعة والتسعين وفي غيرها مما ثبت في الوحيين مطلوب شرعاً وهو من أسباب معرفة الله تعالى.
قال الأصفهاني في كتابه الحجة في بيان المحجة: قال بعض العلماء: أول فرض فرضه الله على خلقه معرفته، فإذا عرفه الناس عبدوه، قال الله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فينبغي للمسلمين أن يعرفوا أسماء الله وتفسيرها فيعظموا الله حق عظمته، ولو أراد رجل أن يعامل رجلاً طلب أن يعرف اسمه وكنيته، واسم أبيه واسم جده، وسأل عن صغير أمره وكبيره فالله خلقنا ورزقنا ونحن نرجو رحمته ونخاف من سخطه أولى أن نعرف أسماءه وتفسيرها. انتهى.
ويقول ابن القيم رحمه الله: لا يستقر للعبد قدم في المعرفة بل ولا الإيمان حتى يؤمن بصفات الرب جل جلاله ويعرفها معرفة تخرجه عن حد الجهل بربه، فالإيمان بالصفات وتعرفها هو أساس الإسلام، وقاعدة الإيمان وثمرة شجرة الإحسان. انتهى.
وقال العز بن عبد السلام رحمه الله: فهم معاني أسماء الله تعالى وسيلة إلى معاملته بثمراتها من الخوف والرجاء والمهابة والمحبة والتوكل... وغير ذلك من ثمرات معرفة تلك الصفات. انتهى.
وقد حض الشرع على إحصاء التسعة والتسعين كما يدل له قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن لله تسعة وتسعين أسما مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة. متفق عليه.
وقد اختلف أهل العلم في المراد من قوله صلى الله عليه وسلم: من أحصاها دخل الجنة. وذلك لأن الإحصاء في اللغة يشمل العد والحفظ.
قال ابن منظور في اللسان: والإحصاء العد والحفظ وأحصى الشيء أحاط به.
ورجح النووي أن المراد بها الحفظ كما في شرح مسلم قال بعدما ذكر الخلاف: قال البخاري وغيره من المحققين: معناه: حفظها، وهو الأظهر لأنه جاء مفسراً في الرواية الأخرى من حفظها. وقيل معناه: العمل بها لا عدها وحفظها، لأن ذلك قد يقع للكافر والمنافق. وقيل معناه: عدها والعمل بها، فالذي يقصد بالعمل أن لله أسماء يختص بها كالأحد والمتعال والقدير ونحوها، فيجب الإقرار بها والخضوع عندها، وله أسماء يُستحب الاقتداء بها في معانيها كالرحيم والكريم والعفو ونحوها، فيستحب للعبد أن يتحلى بمعانيها ليؤدي حق العمل بها فبهذا يحصل له الإحصاء العملي.
والإحصاء مطلوب في التسعة والتسعين فقط ولا يعني ذلك أنه يحصل كمال علمنا بالله عند تعلمها، ولا أن معرفة الله مقصورة عليها، فمن أسباب معرفة الله تعالى التأمل في آياته الكونية الدالة على كمال قدرته وحكمته سبحانه وتعالى، ولا يعني كذلك أن الأسماء محصورة في هذا العدد ولا أن من لم يعلم ما سواها جاهل بالله تعالى.
جاء في فتح الباري لابن حجر: وقد اختلف في هذا العدد هل المراد به حصر الأسماء الحسنى في هذه العدة أو أنها أكثر من ذلك، ولكن اختصت هذه بأن من أحصاها دخل الجنة فذهب الجمهور إلى الثاني ونقل النووي اتفاق العلماء عليه فقال: ليس في الحديث حصر أسماء الله تعالى وليس معناه أنه ليس له اسم غير هذه التسعة والتسعين وإنما مقصود الحديث أن هذه الأسماء من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود الذي أخرجه أحمد وصححه ابن حبان: اسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك. انتهى.
وأما الحكمة من استئثار الله بالعلم ببعض الأسماء فهي استحالة إحاطة الناس بالعلم بالله كما قال تعالى: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا {110}، وقال عز وجل: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ... {67}، أي ما عرفوه حق معرفته. قال ابن الجوزي في كشف المشكل: قال أبو سليمان الخطابي: في هذا الحديث إثبات هذه الأسماء وليس فيه نفي ما عداها من الزيادة عليها، وإنما وقع التخصيص لهذه الأسماء لأنها أشهر الأسماء وأبينها معاني فجملة هذا الحديث قضية واحدة لا قضيتان فتمام الفائدة في خبر (إن) في قوله (من أحصاها دخل الجنة) لا في قوله (إن لله تسعة وتسعين اسما) وهذا بمنزلة قولك إن لزيد مائة درهم أعدها للصدقة فلا يدل ذلك على أنه ليس عنده من الدراهم أكثر من ذلك وإنما يدل على أن الذي أعده للصدقة هذا، ويدل على هذا التأويل حديث ابن مسعود: اسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك. فهذا يدل على أن لله أسماء لم ينزلها في كتابه حجبها عن خلقه. انتهى.
وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن العربي المالكي عن بعضهم أنه قال: لله تعالى ألف اسم. قال ابن العربي : وهذا قليل فيها ، (قلت) تتمة كلام ابن العربي ولو كان البحر مداداً لنفد البحر قبل أن تنفد أسماء ربي. ولوجئنا بسبعة أبحر مثله مدادا. كذا في طرح التثريب للعراقي.
والله أعلم.