السؤال
واثقة بالله وظانة به سبحانه ظنا حسنا، وأن ربي المجيب القريب، لكن مشكلتي هي نفسي، فحينما أدعو ربي وألح عليه تأتي ذاتي فتتعقب علي تقول: كيف تريدين من الله وأنت ذات معاص وذنوب، وقلبك أسود، فالله أبصر بنفسك، لئن تحقق لك ما أردت فسوف تزدادين ظلما فوق ظلمك؟ وكيف تطلبين من ربك وأنت لا تفعلين لله أشياء؟ فحينها أبكي ندما على حالي، فتقول نفسي: حتى هذه الدموع دموع تماسيح كاذبة، لأنها لم تتب وإن انتهت سوف تعاود نفسي لحب الدنيا والتعدي على حدود الله؟ أريد حلا للانتصار على ذاتي رغم أنني أهل بالفعل للذنوب.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإساءة الظن بالنفس أمر مطلوب، وذلك حتى لا يركن الإنسان إلى نفسه، ويعتقد أن لها من الفضل والمنزلة والاجتهاد ما تستحق به المنزلة والمثوبة، بل المؤمن الصادق يعلم أنه ما كان به من نعمة فمن الله، وما كان في نفسه من خير فالله هو المتفضل به المان به وحده، وأنه ليس له من نفسه إلا العجز والتقصير، وأن الله لو وكله إلى نفسه لانفرط عليه أمره ولوقع في شر عظيم، فمن أحسن الظن بنفسه لم يفتش عن عيوبها ولم يسع في علاجها وإصلاحها، يقول ابن القيم ـ عليه الرحمة: وأما سوء الظن بالنفس فإنما أحتاج إليه، لأن حسن الظن بالنفس يمنع من كمال التفتيش، ويلبس عليه، فيرى المساوئ محاسن والعيوب كمالا، فإن المحب يرى مساوئ محبوبه وعيوبه كذلك، فعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا ـ ولا يسيء الظن بنفسه إلا من عرفها، ومن أحسن ظنه بنفسه فهو من أجهل الناس بنفسه.
ولكن سوء الظن بالنفس هذا لا ينبغي أن يكون مبالغا فيه بحيث يحرم الإنسان من الخير، أو يصرفه عن الطاعة، أو يحول بينه وبين حسن الظن بالله تعالى، فإن إساءة الظن بالنفس إنما تراد لأجل كمال التفتيش عن عيوبها والاجتهاد في إصلاحها كما مر، ولا يتأتى هذا لمن بلغ من إساءة الظن بنفسه حد اليأس من صلاحها واعتقاد أنه لا جدوى من مجاهدتها، فالقصد القصد ، وإذا كنت تسيئين الظن بنفسك، وتعتقدين أن عندك من الذنوب ما يوجب رد مسألتك فهذا حسن، ولكن عليك أن تجمعي إلى هذا كله أن تحسني الظن بربك تعالى، وأن تعتقدي أنه أهل لكل خير، وأنه لا يعجزه أن يسوق إليك ما فيه مصلحتك وإن كنت مقصرة مفرطة في جنبه تعالى، فهو لعظيم رحمته وواسع حلمه وعظيم فضله يتفضل على عبده، وإن لم يكن أهلا، وينعم عليه وإن كان مقصرا مسيئا، ثم استعيني بالله تعالى على نفسك الأمارة بالسوء، واسأليه أن يعينك على إصلاحها وتقويمها، فإنه من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، قال تعالى وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {النــور:21}.
وقال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا {الشمس:10،9}
أي قد أفلح من زكى الله نفسه، وقد خاب من دسى الله نفسه على أحد التفسيرين.
فعليك أن تدعي ربك بصدق، وأن تلحي في المسألة عالمة أنه سبحانه لا يعجزه شيء، فإذا قالت لك نفسك أنت لا تستحقين إجابة الدعاء فقولي لها نعم، ولكن فضل الله عظيم ورحمته وسعت كل شيء، وإن قالت لك إنك ستزدادين معصية لو أجيب دعاؤك، فعلقي قلبك بالله وأملي في فضله ورحمته، وأن يجعل ما أعطاك عونا لك على طاعته، وإن قالت لك إن توبتك غير صادقة وإنك ستعاودين المعصية والرجوع إلى التعلق بالدنيا، فأحسني ظنك بربك وتوكلي عليه، وأديمي اللجأ والافتقار إليه في أن يطهر قلبك ويجنبك الفتن ما ظهر منها وما بطن.
والله أعلم.