الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن ما يفعله بعض الناس من الذبح عند بناء بيت جديد والسكن فيه يشرع إذا كان شكراً لله تعالى وإظهاراً للفرح، وإكراماً للمهنئين، أو صدقة على الفقراء والمساكين، أما إن كان لدفع العين، أو الجن فهو محرم تحريماً غليظاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع ذلك لدفع العين، وإنما المشروع هو الرقية، وقراءة المعوذتين وغير ذلك مما هو معلوم، بل إن الذبح للجن شرك، لأن الذبح تقرباً وتذللاً وخضوعاً عبادة من العبادات التي لا يجوز صرفها لغير الله عز وجل، قال الله سبحانه: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ {الأنعام:162}.
وقال سبحانه: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ {الكوثر:2}.
وفي صحيح مسلم مرفوعا: لعن الله من ذبح لغير الله.
قال النووي ـ رحمه الله: فإن قصد تعظيم المذبوح له غير الله تعالى والعبادة له كان ذلك كفرا، فإن كان الذابح مسلماً قبل ذلك صار بالذبح مرتداً. اهـ.
وقال الشيخ العلامة ابن عثيمين: الواجب الحذر من بعض العقائد التي يؤمن بها كثير من الناس، فيقولون: إنه لا بد لحفظ البيت الجديد، أو السيارة الجديدة من التقرب بالذبح وتلطيخه بدم المذبوح، وأن الأرواح الشريرة لا تنكفئ عنك إلا بذلك، وإلا فسرعان ما تزول النعمة، وهذا اعتقاد جاهلي لا يصدر عمن يؤمن بالله ربا يملك النفع والضر، وبيده الخلق والأمر، ويعلم أنه لا يجوز التقرب بالنسك والعبادة إلا لوجه الله سبحانه وتعالى. اهـ.
وسئل علماء اللجنة الدائمة: عما اعتاده كثير من الناس أن الذبح على عتبة المنزل الجديد وقبل دخوله من أهم الأسباب لدفع العين، ولجعل البيت مباركاً، ولتجنب المآسي والحوادث غير المستحبة.
فأجابوا: إذا كانت هذه العادة - أي: الذبح عند عتبة البيت الجديد - من أجل إرضاء الجن وتجنب المآسي والأحداث الكريهة: فهي عادة محرمة، بل شرك، وهذا هو الظاهر من تقديم الذبح على النزول بالبيت، وجعله على العتبة على الخصوص. اهـ.
كما أن تعليقهم في السيارة ما كان على شكل كف، أو عين، أو ذيل سمكة، فإنه لا يجوز، إذا كانوا معتقدين أنها سبب دفع العين، لأنه يدخل في تعليق التمائم المنهي عنه، لقوله صلى الله عليه وسلم: من علق تميمة فقد أشرك. رواه أحمد وصححه الألباني، وقال في السلسلة الصحيحة: قلت: ولا تزال هذه الضلالة فاشية بين البدو والفلاحين وبعض المدنيين، ومثلها الخرزات التي يضعها بعض السائقين أمامهم في السيارة يعلقونها على المرآة! وبعضهم يعلق نعلا في مقدمة السيارة، أو في مؤخرتها! وغيرهم يعلقون نعل فرس في واجهة الدار، أو الدكان! كل ذلك لدفع العين زعموا، وغير ذلك مما عم وطم بسبب الجهل بالتوحيد، وما ينافيه من الشركيات والوثنيات التي ما بعثت الرسل وأنزلت الكتب إلا من أجل إبطالها والقضاء عليها، فإلى الله المشتكى من جهل المسلمين اليوم، وبعدهم عن الدين. اهـ.
وأما اعتقاد أن هذه التمائم تدفع العين بنفسها فهذا شرك أكبر.
وأما استعمال البخور للطيب: فهو مباح في الأصل ويجوز إعداده عند العود من الصلاة، أو اللقاء في الأفراح، وقد يستحب كما قال شيخ الإسلام: وإنما البخور طيب يتطيب بدخانه كما يتطيب بسائر الطيب من المسك وغيره مما له أجزاء بخارية وإن لطفت، أو له رائحة محضة، وإنما يستحب التبخر حيث يستحب التطيب. انتهى.
ومحل هذا إن لم يعرض له ما يمنعه كاستعمال النساء له عند خروجهن لمكان يشم فيه الرجال رائحتهن فهنا يمنع، لما في صحيح مسلم مرفوعا: أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء.
وفي حديث أبي داود: والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا يعني زانية.
وأما العلاج بالبخور واعتقاد دفع العين به: فهو من شيم المشعوذين والدجالين التي يمنع العمل بها وهو من اعتقادات الصابئة عباد النجوم، وكذلك النصارى وغيرهم من المبتدعة والمشركين، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله: وقد بلغني أيضاً أنهم ـ يعني النصارى ـ يخرجون يوم الخميس الذي قبل ذلك، أو يوم السبت أو غير ذلك إلى القبور ويبخرونها، وكذلك يبخرون بيوتهم في هذه الأوقات، وهم يعتقدون أن في البخور بركة ودفع أذى لا لكونه طيباً ويعدونه من القرابين... إلى أن قال: وإنما ذكرت ما ذكرته لما رأيت كثيراً من المسلمين يفعلونه وأصله مأخوذ عنهم، وقد ألقي إلى الجماهير العامة، أو جميعهم إلا من شاء الله، وأعني بالعامة هنا كل من لم يعلم حقيقة الإسلام، فإن كثيرا ممن ينتسب إلى فقه، أو دين قد شارك في ذلك ألقي إليهم أن البخور المرقي ينفع ببركته من العين والسحر والأدواء والهوام ويصورون في أوراق صور الحيات والعقارب ويلصقونها في بيوتهم زعما منهم أن تلك الصور الملعون فاعلها التي لا تدخل الملائكة بيتا هي فيه تمنع الهوام وهو ضرب من طلاسم الصابئة... إلى آخر كلامه رحمه الله.
وقال في موضع آخر مبيناً الانحرافات التي تحدث في تشبه المسلمين بالنصارى في أعيادهم، فذكر منها: ورقي البخور مطلقاً في ذلك الوقت، أو غيره، أو قصد شراء البخور المرقي، فإن رقي البخور واتخاذه قربانا هو دين النصارى والصابئين. انتهى.
وسئل الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ عن حكم استعمال البخور لطرد الشياطين فقال: لا أعلم لهذا العمل أصلاً شرعياً، والواجب تركه، لكونه من الخرافات التي لا أصل لها، وإنما تطرد الشياطين بالإكثار من ذكر الله وقراءة القرآن والتعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق... إلخ كلامه.
وإذا تقرر أن عملا معينا قد نهى عنه الشرع فإنه لا يجوز للمسلم أن يعين عليه أي نوع من الإعانة، فقد قال الله تعالى: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2}.
هذا وإن مما يصلح البيوت ويجعل فيها الخير والبركة ويبعد عنها الشياطين ما يلي:
1ـ قراءة سورة البقرة، فقد ثبت في الحديث الصحيح أن البيت الذي تقرأ فيه لا يدخله شيطان، كما تقدم في الفتوى رقم: 57032.
2ـ الإكثار من صلاة النافلة، كما تقدم في الفتوى رقم: 31122.
3ـ الإكثار من تلاوة القرآن وكذا من ذكر الله تعالى عموما وأذكار الصباح والمساء ودخول المنزل والخروج منه ونحوها من الأذكار الموظفة خصوصا، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 18755.
4ـ الحرص على عدم وجود منكرات داخل البيت، أو أشياء محرمة كمشاهدة الأفلام الخليعة، أو صور يحرم نظرها.
وعلى العموم، فإذا كان البيت عامرا بذكر الله تعالى خاليا من المحرمات والمنكرات مع اتصاف أهله بالاستقامة على أوامر الله تعالى فستصلح كل أموره، ويكون مباركا على أهله ويعيشون في سعادة ووئام، وراجع الفتوى رقم: 58076.
والله أعلم.