السؤال
ما حكم من كان يصلي جالسا ويجعل ركوعه أخفض من سجوده وهذا الذي تعلمته، ولكن عندما كنت أومئ بالسجود وتحديدا عند الجلسة بين السجدتين كنت أحني ظهري قليلا إلى الأمام وليس مستقيما فقط فعلت ذلك في قول ربي اغفر لي والتشهد، فهل صلاتي صحيحة؟ أم باطلة؟ أرجو الإفادة.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن من عجز عن القيام، أو شق عليه مشقة ظاهرة جاز أن يصلي قاعدا، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 133887.
ويومئ للركوع من جلوسه، قال النووي في روضة الطالبين في الفقه الشافعي: وأما ركوع القاعد فأقله أن ينحني قدر ما يحاذي وجهه ما قدام ركبتيه من الأرض، وأكمله أن ينحني بحيث تحاذي جبهته موضع سجوده، وأما سجوده فكسجود القائم، هذا إذا قدر القاعد على الركوع والسجود، فإن عجز لعلة بظهره، أو غيرها فعل الممكن من الانحناء. انتهى.
ومن هذا يعلم أنه ليس لمن عجز عن القيام أن يومئ للسجود أيضا إلا لعجز، فإذا كانت السائلة تومئ للسجود لعجز فلها ذلك ويجب أن يكون الإيماء للسجود أخفض من إيماء الركوع عكس ما ذكر في السؤال، لأن الإيماء قائم مقامهما في حال عدم العذر فيجب الإتيان بالقدر المستطاع منهما، ومن المعلوم أن السجود أخفض من الركوع.
وعلى هذا، فمن أومأ للركوع أخفض من السجود فقد فعل خلاف ما يجب، والظاهر أن عليه إعادة الصلوات التي أديت على تلك الحالة، لأن من أهل العلم من يرى بطلان الصلاة إذا لم يأت من يومئ في صلاته بما يستطيع من الإيماء، قال في منتهى الإرادات في الفقه الحنبلي: ويومىء بركوع وسجود عاجز عنهما ما أمكنه، نصا، لما تقدم ويجعله ـ أي السجود ـ أخفض، للخبر وللتمييز. انتهى.
وفي دقائق أولي النهى في الفقه الحنبلي أيضا: ويومئ عاجز عن السجود على جبهته غاية ما يمكنه وجوبا بالحديث: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. انتهى.
وفي الخرشي على مختصر خليل في الفقه المالكي عند قول المؤلف: وهل يجب فيه الوسع؟ هل يجب على من صلى إيماء من قيام، أو جلوس أن يأتي منه بوسعه بحيث لا يطيق زائدا عليه حتى لو قصر عن طاقته فسدت صلاته؟ وهو ظاهر ما في رواية ابن شعبان في مختصره واستظهر، لأنه أقرب للأصل، أو يكفي ما يسمى إيماء مع القدرة على أكثر منه، ولا يشترط أن يأتي بنهاية وسعه وأخذه اللخمي والمازري من المدونة. انتهى.
وما ذكرته السائلة من أنها تحني ظهرها قليلا في جلوس الصلاة، فإن كان شيئا خارجا عن الجلوس المعتاد فالظاهر أيضا أن عليها إعادة الصلاة التي أديت على تلك الحالة، لأن الاعتدال في الجلوس بين السجدتين وفي جلوس التشهد من أركان الصلاة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء صلاته: ثم يستوي قائما حتى يقيم صلبه، ثم يكبر ويسجد حتى يمكن وجهه وقد سمعته يقول جبهته حتى تطمئن مفاصله وتسترخي ويكبر فيرفع حتى يستوي قاعدا على مقعدته ويقيم صلبه ثم يكبر فيسجد حتى يمكن وجهه ويسترخي، فإذا لم يفعل هكذا لم تتم صلاته. روه النسائي وصححه الألباني، وهو آخر الحديث الطويل.
وإن كان انحناء خفيفا فالظاهر أنه لا شيء عليها، لأن هيئة الجلوس لا تخلوا من ميول، ففي مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام بن تيمية في كلامه،على حديث المسيء صلاته: لكن قال في الركوع والسجود والقعود: حتى تطمئن راكعا وحتى تطمئن ساجدا وحتى تطمئن جالسا ـ وقال في الرفع من الركوع: حتى تعتدل قائما وحتى تستوي قائما ـ لأن القائم يعتدل ويستوي وذلك مستلزم للطمأنينة، وأما الراكع والساجد فليسا منتصبين وذلك الجالس لا يوصف بتمام الاعتدال والاستواء فإنه يكون فيه انحناء إما إلى الشقين ولا سيما عند التورك وإما إلى أمامه، لأن أعضاءه التي يجلس عليها منحنية غير مستوية ومعتدلة. انتهى.
علما بأن من أهل العلم من يرى أن من ترك ركنا من أركان الصلاة، أو شرطا من شروطها جاهلا لا تجب عليه إعادة ما مضى قبل أن يعلم الحكم، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 114133. وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 146923.
ولبيان حقيقة العذر الذي يبيح صلاة المرء للفريضة جالسا يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 135275.
والله أعلم.