السؤال
كيف يرفع التعارض بين فتوى لكم وبين حديث صحيح؟ في الفتوى رقم: 137067، عنوان الفتوى: حكم دخول المحرم دكانا يتصاعد فيه دخان البخور تقول: المحرم يجب عليه أن لا يستنشق البخور ولا يأتي البخور ناحيته، أو ناحية ملابس الإحرام ـ بينما حديث ابن عباس في صحيح البخاري: يشم المحرم الريحان وينظر في المرآة ويتداوى ويأكل الزيت والسمن، أليس بالقياس حكم البخور هو حكم الريحان؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأثر المذكور عن ابن عباس قد ذكره البخاري في صحيحه معلقا, وهو صحيح, ولكنه موقوف على ابن عباس من قوله وليس مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يقال إن فتوانا عارضت الحديث الصحيح، وقد خالف ابن عباس غيره من الصحابة فمنعوا المحرم من شم الريحان, قال العيني في عمدة القاري: وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما: يشم المحرم الريحان وينظر في المرآة ويتداوى بما يأكل الزيت والسمن، هذا التعليق في شم المحرم الريحان وصله البيهقي بسند جيد إلى سفيان: حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس: أنه كان لا يرى بأسا للمحرم أن يشم الريحان، وروى الدار قطني بسند صحيح عنه: المحرم يشم الريحان ويدخل الحمام وينزع سنه ويفقأ القرحة وإن انكسر ظفره أماط عنه الأذى ـ واختلف الفقهاء في الريحان فقال إسحاق يباح، وتوقف أحمد فيه، وقال الشافعي يحرم، وكرهه مالك والحنفية، ومنشأ الخلاف أن كل ما يتخذ منه الطيب يحرم بلا خلاف، وأما غيره فلا، وروى ابن أبي شيبة عن جابر أنه قال: لا يشم المحرم الريحان، وروى البيهقي بسند صحيح عن ابن عمر أنه كان يكره شم الريحان للمحرم، وعن أبي الزبير سمع جابرا يسأل عن الريحان أيشمه المحرم والطيب والدهن؟ فقال لا، وعن جابر إذا شم المحرم ريحانا، أو مس طيبا إهراق لذلك دما، وعن إبراهيم في الطيب الفدية، وعن عطاء: إذا شم طيبا كفر، وعنه إذا وضع المحرم على شيء دهنا فيه طيب فعليه الكفارة. انتهى.
وهذه الفتوى جارية على قول كثير من أهل العلم فلا إشكال فيها, ثم إن إلزام من تعمد شم الطيب بالفدية هو الأحوط والأبرأ للذمة, وتعمد شم الطيب ذريعة قوية لاستعماله ومن ثم كان تحريمه متجها, يقول ابن القيم رحمه الله: مبينا وجه تحريم شم الطيب عند من حرمه من العلماء وما يراه هو راجحا في المسألة ما عبارته: وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يقرب طيبا, أو يمس به تناول ذلك الرأس والبدن والثياب، وأما شمه من غير مس فإنما حرمه من حرمه بالقياس؛ وإلا فلفظ النهي لا يتناوله بصريحه ولا إجماع معلوم فيه يجب المصير إليه، ولكن تحريمه من باب تحريم الوسائل، فإن شمه يدعو إلى ملامسته في البدن والثياب كما يحرم النظر إلى الأجنبية لأنه وسيلة إلى غيره، وما حرم تحريم الوسائل فإنه يباح للحاجة، أو المصلحة الراجحة؛ كما يباح النظر إلى الأمة المستامة والمخطوبة ومن شهد عليها, أو يعاملها, أو يطبها. وعلى هذا, فإنما يمنع المحرم من قصد شم الطيب للترفه واللذة، فأما إذا وصلت الرائحة إلى أنفه من غير قصد منه، أو شمه قصدا لاستعلامه عند شرائه لم يمنع منه ولم يجب عليه سد أنفه فالأول بمنزلة نظر الفجأة، والثاني بمنزلة نظر المستام والخاطب. انتهى.
والله أعلم.