السؤال
فضيلة الشيخ: من المعلوم أنََ إعطاء الوسيلة حكم التوسل إليه دليل على حكمة الباري وعلمه بخصائص النفس البشرية، لأنه لو حرم الشيء وأباح الوسائل الموصلة إليه غالباً لوقع الناس في حرج عظيم، والسؤال الأول: ما حكم مودة الكافر لغير دينه كأن يكون لجماله، أو أخلاقه، أو مخالطته كأن يكون زميل عمل، أو جيرته من غير أن يؤدي ذلك إلى الذوبان معه كلياً واتباع مذهبه، أو طاعته في معصية، أو إعانته عليها، أو مجالسته حال معصيته وخاصةً إذا كان الشرع أمرني ببره كالوالدين الكافرين، لأنني أجد حرجا عظيما في الجمع بين ملاطفتهم ومعاملتهم بالحسنى ومخالطتهم المفضية إلى مودتهم الطبيعية وكرههم وبغضهم في ذات الوقت؟.
والسؤال الثاني: هل محبة الكفار غير المحاربين لغير دينهم محبة طبيعية التي لا تفضي إلى تقديم محبتهم على محبة الله ورسوله، أو إتباعهم، أو تصحيح مذهبهم، أو إعانتهم على باطل كأن يكونوا قرابة، أو جيرانا، أو والدين هي من الكبائر؟ أم من الصغائر المشمولة بقوله تعالى: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه.. الآية؟
والسؤال الثالث: هل مجرد مضاحكة وممازحة الكفار غير المحاربين كأن يكونوا زملاء عمل، أو أقارب والتبسم في وجوههم بحكم التواصل البشري ولغير قصد الدعوة البريء محرمة لذاتها؟ أم محرمة باعتبار ما يؤدي إليها؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمودة الكافر لها ثلاثة أحوال ذكرها الشيخ صالح آل الشيخ في كتابه: إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل ـ حيث قال: المقصود من ذلك أن يعلم أنَّ الولاء والبراء للكافر ـ يعني للمعين ـ ثلاث درجات:
· الدرجة الأولى: موالاة ومحبة الكافر لكفره، وهذا كفر.
· الدرجة الثانية: محبته وموادته وإكرامه للدنيا مطلقاً هذا لا يجوز ومحرم ونوع موالاة مذموم.
· الدرجة الثالثة: وهو أن يكون في مقابلة نعمة، أو في مقابلة قرابة، فإن نوع المودة الحاصلة، أو الإحسان أو نحو ذلك في غير المحاربين هذا فيه رخصة. انتهى.
وبهذا تعلم أنه قد رخص في مودة الكافر غير المحارب لقرابته، أو لأخلاقه الحسنة، أو لنحو ذلك من الأسباب الطبيعية، وأما مضاحكة الكافر غير المحارب والتبسم في وجهه: فهذا لا بأس به لا سيما مع من يخالط منهم كالوالدين والزوجة والزملاء ونحوهم، إذ لم يأمرنا الشرع بالتجهم والتعبيس في وجوه هؤلاء، وقد قال ربنا: وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً {البقرة:83}.
وقال الله عز وجل: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {الممتحنة:8، 9}.
قال الإمام الشافعي رحمه الله يقال ـ والله أعلم: إن بعض المسلمين تأثم من صلة المشركين أحسب ذلك لما نزل فرض جهادهم، وقطع الولاية بينهم وبينهم، ونزل: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } الآية ـ فلما خافوا أن تكون: المودة ـ الصلة بالمال، أنزل: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ـ قال الشافعي ـ رحمه الله: وكانت الصلة بالمال، والبر والإقساط ولين الكلام، والمراسلة بحكم الله, غير ما نهوا عنه من الولاية لمن نهوا عن ولايته. انتهى.
والله أعلم.